~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

السبت، 23 مارس 2019

رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن دائما لطيفا ورفيقا!




إن دين الإسلام دينٌ متوازن.. أنزله الله تعالى بالحق والميزان

يقول سبحانه:

{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)} [الشورى]



{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} [الحديد]

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)} [البقرة]

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة]

{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)} [الاسراء]

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]

وخلق سبحانه الكون متوافق مع هذا الحق

يقول جل في علاه:

{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} [الرحمن]

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)} [الأنعام]

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)} [الأنبياء]

وهذا التوازن، أو القسط، أو الاستقامة... يعني أنه وسطٌ عدلٌ بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والجفاء

فإن الإفراط والغلو.. في الزيادة على ما جاء به الله تعالى
والتفريط والجفاء في إنقاص ما جاء به الله جل في علاه

وكلاهما مدخلٌ للشيطان ليزيغ بني آدم، لا يأبَهُ بأيهما ظفر

ومن الأمور التي نحتاج إلى التوازن فيها، والتي قدّر الله تعالى بعلمه وحكمته أن ينحرف كثيرٌ من المسلمين في فهمها وتطبيقها في العقود الأخيرة، حتى تحول كثير من (المنتسبين للاستقامة) إلى منافقين! قد انصبغوا بصبغة النفاق والمداهنة.. بسبب عدم فهمهم الصحيح والمتوازن لهذه المسألة

ألا وهي مسألة:
"الأخلاق"

فنجد منذ عقود من ينادي ويخطب، ويلوم ويُكثر.. مطالبا الناس (والمسلمين تحديدا) بحسن الخلق

وهي دعوى جميلة، متوافقة تماما مع دين الله تعالى

فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه: إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق. [صحيح الأدب المفرد، وغيره]
وكم حثّنا عليه الصلاة والسلام على التخلق بأحسن الأخلاق
وأخبرنا أن حسن الخلق من أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة
وأن أقربنا إليه مجلسا يوم القيامة.. أحاسننا أخلاقا..
.... إلى آخر ما نعلمه من النصوص التي تبين أن الأخلاق.. هدفٌ أسمى وأعظم من أهداف دين الإسلام


فليست الإشكالية عندنا في فهم موضوع الأخلاق، ولا في أهميته

وإنما الإشكالية في فهم "المقصود" الذي قصده الشارع الحكيم سبحانه من مسألة الأخلاق

فماذا تعني الأخلاق التي أرادها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟

هل هي مجرد: الابتسامة، والتلطف، والمسامحة، والعفو !؟ فقط ؟
وهنا نقف وقفات سريعة مختصرة بإذن الله تعالى في بيان معنى الأخلاق في الإسلام
 ثم سنفصل في مسألة مخصوصة من ذلك، وهي الهدف الأصلي من هذه المقالة.


- أولا: معنى الأخلاق لغة (مختصر من لسان العرب وغيره) يتلخص في: الدِّين والطبع والسجية والمروءة، أي أنه صورة الإنسان الباطنة، نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها، بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها. (شرح > ): أي أن الأخلاق هي كُل الصفات المعنوية (الغير حسية) التي يتصف بها الإنسان. فيدخل فيها (التواضع، وحسن الظن، والرضا، والكرم... الخ)

فالإنسان مقسم إلى جزئين: صفات خَلْقِيّة (يعني طوله، ولونه، وشعره، وعينه... الخ)
وصفات خُلُقيّة (يعني طباعه، وشخصيته، وقدراته النفسية، وذكاؤه، ومشاعره، وتفاعلاته، وتصرفاته... الخ)

- ثانيا: بما أن الأخلاق تشمل جميع الصفات الخُلُقية، إذن هي تشمل الأخلاق مع الله سبحانه (وهي الأهم) قبل أن تشمل الأخلاق مع الناس (على أهميتها)، والأخلاق مع الله تعالى لا تكون إلا بـ (توحيده، وطاعته، والذل له، والاستسلام لشرائعه، وتصديق أخباره، والرضا بقضائه، ونسبة النعم إليه، وحسن التوكل عليه، وعدم التكبر على أوامره... الخ) فمن لم يتخلق بهذه الأخلاق مع ربه، فلا يُقال عنه إنسانٌ خلوق، ولو كان أشد الناس لطافةً مع الناس، لأنه لم يتخلق بالأخلاق الأهم، مع الجهة الأهم، إذن ليست ميزةً فيه أن يتخلق ببعض الأخلاق مع البشر (تملقا، أو رياءً، أو نفاقا، أو مصلحةً... الخ).

- ثالثا: وهو نوع تفصيل للنقطة ثانيا: إن الأخلاق مع الناس لها أجر عظيم عند الله تعالى، لكن ذلك بشرط: أن يكون العبد مؤمنا موحدا، فحينها ينجو يوم القيامة بسبب توحيده، ثم ترتفع درجته في الجنة، أو ينجو من بعض الكربات على قدر حسن خلقه.
أما من لم يكن موحدا، أو كان لديه ناقض من نواقض الإسلام، فلا معنى لأخلاقه أبدا، وسيخلد في النار لا يخرج منها أبدا (والعياذ بالله) مهما خدم البشرية، وأحبه الناس، وتناقلوا ذكره عبر الأجيال.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُه!؟ُ قَالَ: "لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" [صحيح مسلم]

عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِم،َ وَكَانَ يَفْعَلُ وَيَفْعَلُ! قَالَ: "إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ" - يَعْنِي الذِّكر ـ [صحيح ابن حبان]

وأبو طالب، لم يكن فقط حسن الخلق، ولكنه خدم الإسلام وخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمةً، فاقت كثيرا مما فعله كثير من الصحابة، ومع ذلك: عن الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ!؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ". [رواه البخاري ومسلم]

فإذا كان المؤمن الموحد المصلي، لديه أنواع من سوء الخلق مع الناس، فإنه ينجو يوم القيامة بما معه من توحيد وإيمان، ولو سبق هذه النجاة عقوبة في النار أولا.
وغير المؤمن، مهما كان معه من أخلاق وأعمال صالحة، يجعلها الله تعالى له هباءً منثورا.


المؤمن سيء الخلق >><<  يفضُلُ على ملء الأرض من الكفار حسني الأخلاق



-رابعا: كيف يكون المسلم حسن الخلق مع الناس؟ هل يعني هذا أنه:

** لا يغضب أبدا؟
** لا يعاقب من يستحق العقوبة (ممن تحت ولايته مثلا) ؟
** لا يهجر من يستحق الهجران من العصاة وغيرهم؟
** لا يصرخ في وجه أحد ويغلظ عليه؟
** لا "يتدخل" في أمور الناس، بمعنى: لا ينصحهم، ولا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر؟
** إذا نصح أحدا فلم يستسلم للنصيحة، فيجب عليه أن يبتسم في وجهه، ويمزح معه، ويتلطف معه، ويعامله كما يعامل أكمل الناس إيمانا!! حتى لا تنجرح مشاعره! فيكون بهذا حسن الخلق !!؟


السؤال: هل هذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

هل كان (على الرغم من شدة رفقه ولطافته وحلمه عليه الصلاة والسلام) لا يعاقب أحدا، ولا يغضب من أحد، ولا يغلظ في النصيحة مع أحد، ولا يتدخل في أحد... !؟

دعونا نبين بعض الحقائق، ثم نسرد الأدلة التي تبين (بشرية) النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أولا، ثم مشروعية استخدام هذه الأساليب إذا اقتضت الحاجة إليها من الداعي إلى الله، أو الراعي، أو الأخ في الله... الخ، وأن هذا لا يناقض كونه عليه الصلاة والسلام (كان خلقه القرآن).


الحقيقة الأولى:
لا ريب أن الغالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى (وهذا ما يجب على كل داعية إلى الحق) هو الرفق، واللطف، وحسن الظن، والحلم، والصبر، واللين، والعفو، والمسامحة، والهدوء... الخ، وهذا ما ينبغي أن يستمر عليه الداعية فترات طويلة، مع حلم كثير، وحسن ظن لا يكاد ينتهي (كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من يدعوهم)


الحقيقة الثانية:
أن هذه الحال لم تكن حاله دائما صلى الله عليه وسلم، وإنما هي حالته الغالبة
فتأتي مواقف (ليست بالقليلة) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأسوة الحسنة التي أمرنا أن نتأسى بها) يغضب فيها، ويغلظ، ويعاقب، ويقسو، ولا يعفو... الخ
وهذا ما سنأتي على كثير من أدلته بإذن الله تعالى


الحقيقة الثالثة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في كثير من المواقف التي كان يعفو فيها عمن أمامه، إنما كان يعفو عن حقه الشخصي، كإنسان، وأما حق الله تعالى، أو حقه هو كنبي مرسل، فكان ينتقم لله عز وجل، فليس من حقه أو حق أي إنسان أن يُضيّع حق الله تعالى بحجة العفو (وهنا يأتي السؤال الذي نحتاج أن نركز عليه، وهو: كيف أنتقم لله؟ حتى لا أنتقم لله بطريقة خاطئة، تفسد أكثر مما تصلح، وهذا يحتاج إلى علم واتباع واستهداءٍ لله تعالى في كل موقفٍ على حدا)

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ قَطُّ، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بهَا لِلَّهِ. [رواه البخاري]


الحقيقة الرابعة:
الأصل في الدعوة، والنصيحة، والرعاية (كرعاية الأب في بيته، والأم على أبنائها، والرئيس على المرؤوسين، والشيخ على طلابه، والمؤمن مع أخيه في الله... الخ) أنها تدور مع المصلحة، فتحقيق المصلحة هو الغاية (وإن كان لا يمكن الجزم بتحقيقها، لأنها بيد الله تعالى، لكن الداعية يطلب العلم، ويدعو ربه عز وجل، ويستهديه، ثم يتحرى ما يغلب على ظنه أنه الأصلح، ثم يفعله سائلا الله تعالى أن ينفع به) فحينما تكون المصلحة مع الرفق والعفو واللين والحلم والصبر (وهو الغالب) يجتهد الداعية في تمثلها، وإذا كانت المصلحة مع فئات معينة، أو شخصيات معينة هي الشدة والغلظة، أو على الأقل يُردّ شرهم بذلك، أو يقل ضررهم، فيجتهد الداعية في الحزم فيها.

وهذا ما كان يحدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم


الحقيقة الخامسة:
ما سنورده الآن بإذن الله تعالى من أدلة، نبين فيها مواطن شدة النبي صلى الله عليه وسلم مع فئام من الناس، ليس الغرض منها (نفي) الأصل الأصيل في الداعية، وفي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه الرفق والحلم واللين

ولكن لأن الناس في زماننا، صاروا يتعاملون مع أي نوع من الحزم والشدة.. على أنه كفر !
ولا يقبلون من أحد (وإن كان أكبر منهم سنا، وإن كان في مقام المربي لهم كالأب أو الأم أو الجد أو الخالة أو العم أو المعلم... الخ) أي نوع من الغلظة معهم، أو الهجر، أو العقوبة، ويتعاملون مع من يفعل ذلك أنه مارق من دين الإسلام، مبتدع فيه، مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم...!
ثم بعد ذلك من غير الممكن أن يقبلوا لهذا الإنسان نصيحة، أو يعترفوا له بحق، وهم مؤمنون تماما أنهم سيأتون يوم القيامة والله تعالى راضٍ عنهم! غافرٌ لهم كل تقصيراتهم! وهذا الذي غضب منهم أو حزم عليهم، هو الذي سيندم على شدته وتنفيره للناس عن الدين!

(( ولو كانت شدته تلك بسبب ما واجهوه به من تكبر، وعناد، وإصرار على الباطل، ونشر للباطل بين الناس، وسوء أدب، واستهزاء، وتحقير...... الخ )) فكل ذلك مغفور لهم !!
ولكن هو... فليت شمس يومه لم تطلع.. إذ تجرأ ونظر إليهم شزرا!!!


فعسى الله تعالى أن يجعل هذه الأدلة سببا لرجوع الكثير من (المسلمين) إلى العدل والقسط والوزن، إلى الطريق القويم في هذه المسألة، حتى نخرج مما أوصلنا الشيطان له...

وهو أن كثيرا منا تحولوا من دعاة إلى الإسلام >>> إلى منافقين مداهنين!

وصار للأسف النفاق والمجاملة والمداهنة على حساب دين الله تعالى، ومصير الناس في الآخرة.. هو السمة الغالبة على "المستقيمين" بل وكثير من "طلبة العلم" !!!

بل إنه ما انتشرت إشاعة أن المسلمين إرهابيين، وأن الإسلام دين إرهاب
إلا لأن الناس انصبغوا بصبغة: أن الشدة والغلظة مرفوضة قطعا! مهما كان حال الطرف الآخر

وهنا ننبه إلى حقائق كونية:

جميع الدول التي تصف الإسلام بالإرهاب: تضع عقوبات للمجرمين، والمعتدين على حقوق غيرهم، بل والمفسدين للذوق العام في بلادهم، أو الذين يسبون ملوكهم، أو أنظمتهم، أو يعترضون على قوانينهم... الخ
جميع هذه الدول فعلت، أو شاركت، أو تشارك الآن في قتل وتشريد وتعذيب الآلاف من الناس في شرق الأرض وغربها، باعتداءات واضحة وصريحة ووحشية وغير مبررة، ومع هذا يتهمون الإسلام (الذي يدعو للسلام، وهداية الناس، وإنقاذ المظلوم من الظالم، وعدم قتل أي أحد ما لم يكن رجلا مقاتلا محاربا للحق (ومن شابهه) لا تقطعوا شجرة، لا تقتلوا طفلا، لا تقتلوا امرأة، لا تهدموا بيتا.... الخ) أنه دين إرهابي!
كل الناس الذين يتشدقون بالأخلاق وحسن الأخلاق، وتجد صورهم تنتشر على شبكة المعلومات، وهو مبتسمين، لطيفين، محبين، متسامحين!!! لا يكاد يوجد أحد منهم (حتى من المسلمين) إلا وهو يسيء الخلق في أوقات، ويغضب في أوقات، ويتناحر مع من حوله في أوقات، ويقاطع فلان وفلان في أوقات، بل إن كثيرا منهم لو اقتربت من حياته، تجد أنه هو والذين من حوله يعيشون في جحيم، بقدر ما به من سفه وسوء خلق! ولكنه فقط يتشدق بالدعوة إلى حسن الخلق على منصات التواصل الاجتماعي، كذبا وبهتانا وزورا.

على الأقل: المسلم التقي، الحريص على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يغضب فإنه في الغالب سيغضب لله وليس لنفسه، وسيكون الغالب عليه حبس نفسه عن الظلم، أو الطغيان (خوفا من الله تعالى) وسيكون أشد الناس حرصا على تعلم ما يجب عليه فعله، في غضبه، وعقوبته، وهجره، وتأديبه لمن تحته... ، والمؤمن التقي رجاع، حينما يخطئ في موقف، ويكون فعلا قد أخطأ فيه، فإنه سريعا ما يرجع، ويعتذر، ويقبل النصيحة والتنبيه، ولا يتحسس من الانتقاد والتصحيح.


فهذا هو "الإنسان" الصالح
الإنسان الذي تفتقده البشرية

لكنه لايزال إنسانا
لن يخرج من الحاجة إلى الغضب، والعقوبة، والغلظة، والهجر، والشدة... لكنه يحرص أشد الحرص على أن يضعهم في مكانهم.



نورد الآن بإذن الله من الآيات والأحاديث التي تبين الحاجة البشرية الفطرية الطبيعية للشدة في مكانها، وتطبيق رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم لذلك، ونعلق عليها تعليقات بسيطة، عسى الله تعالى أن ينفع بها:

ونتذكر، أن ما أنزله الله لنا في القرآن موعظة لنا لنتعظ به ويكون لنا قدوة وأسوة
وأن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقليده ليس أمرا اختياريا، وإنما هو شرط لدخول الجنة والنجاة من النار.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب]

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} [هود]

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)} [النور]
__________________________________________

أولا: آيات من القرآن الكريم:
يقول رب العزة سبحانه

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)} [الكهف]

هذا الرجل الصالح لم يكن نبيا، ولا يعلم الغيب. لكن لنلاحظ طريقته في الكلام مع صاحبه:
لم يقل له: يعنـــــــي قل أستغفر الله، ما ينفع هالكلام يا أخي!
لم يقل له: والله هذه وجهة نظرك، وكل واحد حر في وجهة نظره
لم يسكت... حتى لا يتدخل فيما لا يعنيه!
لم يقل له حتى: هل أنت مقتنع بهذا الكلام؟ انتبه لعلك لم تقصد ما قلت !!

قال له: أنت كفرت بالذي خلقك سبحانه
ثم أثنى على ربه وذكره بصفاته جل في علاه
ثم أخبره بما كان يجب عليه أن يقوله بدلا من كلامه الكفري الذي قاله
ثم حذره: إذا لم تتب وترجع عما تقول، فلعل الله يرسل على حديقتك صاعقة تهلكها، أو يذهب ماؤها فتجف وتهلك.

كان كلامه واضحا بيّنًا، ليس فيه لف ولا دوران، وليس فيه 3 ساعات من المقدمات اللطيفة قبل أن يقول له الحق الذي يجب أن يقوله..

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)} [الأنعام]

مع أنه أبوه، ومع أنه خليل الله عليه الصلاة والسلام، ومع أنه كان في غاية الأدب معه (كما ورد في سورة طه: يا أبت يا أبت يا أبت) لكن هذا لم يمنعه أن يقول له
أنتم على ضلالة، ما تفعلونه كفر، ما تفعلونه ليس صوابا
لم يسكت
ولم يقل له: لماذا تعبد هذه الأصنام؟ من الأفضل لو تركتها!!!
لم يقدم مقدمات كثيرة ليقول كلام الحق الواضح البين الذي ينصح به من أمامه، مع أنه أبوه!

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)} [يونس]

حينما ظهر منهم الكبر ورفض النصيحة، لم يسكتوا ويتركوهم! ولم يقولوا لهم: هدانا الله وإياكم يا إخوتي.. ثم ذهبوا معهم يأكلون ويمزحون ويتعاملون بلطافة...
قالوا لهم: { طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } أي أن الشر الذي تتهموننا به إنما هو فيكم
(يعني كما يقال في لهجاتنا: وجهكم كان شر علينا. فردوا عليهم: بل أنهم الذين فيكم الشر)
ثم قالوا لهم: أنتم قوم مسرفون، متجاوزون للحد، أهل معاصي وآثام.

ثم جاء هذا الرجل الذي امتدحه الله تعالى.. من أقصى المدينة!
ولم يقل عنه أنه يتدخل فيما لا يعنيه!!
جاء يحذرهم، ويقول لهم: هؤلاء الأنبياء على الحق، اسمعوهم وأطيعوهم
ثم بين أن دعاء آلهتهم ضلال مبين.. لم يتلطف ويستحيي من انتقادهم!

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)} [هود]

قال لهم: اتقوا الله (هذه الكلمة الممنوعة في زماننا!)
وقال لهم: أليس منكم رجل رشيد؟
(يعني بالعامية: ما عندكم مخ !؟ ما فيكم أحد عاقل !؟)

حتى نفرق بين سوء الخلق، وبين التعبيرات الإنسانية الطبيعية، التي تناسب الموقف، وتناسب كل شخصية على حدا

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)} [الإسراء]

لم يقل له: سامحك الله! أنا آسف أنني أزعجتك
لعلك تفكر فيما قلت لك لاحقا.. وتركه وذهب!!!
قال له: إني لأظنك يا فرعون مثبورا، أي ممقوتا ملعونا موعودا بالويل والعذاب.

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} [مريم]

أولا: ذم آلهته، وبين له أنه طوال السنين الماضية يفعل شيئا (أحمقا) لأنه يطلب من أحجار أن ترزقه وترحمه ووتدفع عنه الضر.
وقال له: إن لدي علم ليس عندك، فأطعني حتى تنجو (ولم يقل لنا الله تعالى أن هذا سوء أدب!!)
وقال له: لا تسمع كلام الشيطان... (ولم تعتبر إهانة له! والآن إذا قلت شيئا كهذا لأحد قال لك: ماذا؟ هل أنا طفل لتكلمني هكذا !؟ أو لضحك عليك) ثم يعتبر أن الناصح هو المخطئ، سيء الخلق، الذي لا يحترم الناس ولا يُقدّرهم!!!

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)} [الأعراف]

وهذا موسى عليه السلام، غضب من أخيه، وأمسكه من شعره، وانتهره
فلم يقل له: هل هذه أخلاق الأنبياء!؟
هكذا يكون الداعي إلى الله؟
أين حلمك؟ أين أدبك؟ كيف ستكون قدوة للناس بعد ذلك !!!؟

ورغما عن "المترفين الكاذبين" في زماننا، فإن موسى عليه السلام، نبي، ورسول، بل ومن أولي العزم من الرسل، بل وكليم الله، وقدوة للعالمين إلى قيام الساعة، على الرغم من غضبه وما فعله بهارون عليه السلام، ورميه للألواح (وإن كان هو بنفسه ندم على رمي الألواح) لكنه يظل بَشَرا.

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)} [الممتحنة]

وهؤلاء من أمرنا الله تعالى أن نتأسى بهم
لم يقل لهم: تسامحوا مع أهل الكتاب
لم يقل لهم: تعايش أديان
لم يقل لهم: المهم هو نشر السلام (المزعوم) بين أطياف المجتمع!

بل قال لنا أن نتأسى بهم في أوضح مظاهر الولاء والبراء
قالوا للكفار:
** إنا برءاء منكم (شخصيا)
** ومما تعبدون من دون الله
** كفرنا بكم
** وبدا (أي ظهر) بيننا وبينكم العداوة
** والبغضاء
** أبدا.. حتى تؤمنوا بالله وحده

وهذا لا ينافي الإحسان إلى الكفار (لتأليف قلوبهم للحق)، ولا ينافي (عدم ظلمهم وتحريم الاعتداء على المسالمين منهم)
لكن أن أتودد لهم، أو أتحبب لهم، أو لا يكون رفضي وبغضي لكفرهم واضح في مشاعري وتعبيراتي وردود فعلي... فهذا خذلان ومداهنة على حساب دين الله تعالى.

والأمثلة في كتاب الله تعالى لا تكاد تحصر.

بل إن جميع الأنبياء حينما دعوا قومهم، كانت دعوتهم مباشرة وواضحة، وليس فيها مقدمات، ولا لف ودوران، ولا مراعاة لمشاعرهم!!

كلهم أتوا وقالوا { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}
كلهم ذموا آلهتهم وبينوا لهم بطلان ما يفعلونه { لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا }
{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
... الخ


ووصف الله تعالى الردود السيئة لأهل الباطل

والتي تبين أن هذا الإنسان هو الذي لديه المشكلة، هو المتكبر، هو الغير مريد للحق
وليست المشكلة في أن الداعي (شديد، أو متدخل فيما لا يعنيه، أو لحوح، أو سيء الخلق!)

{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

يعني بالعامية: مللتنا! صدّعْتَ رؤوسنا! أنت زنّان ! أنت تتكلم كثيرا !

{أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا ؟}

يعني: أتريدنا أن نتبعك في هذا الشيء الجديد؟ ونخالف المجتمع، وما تربينا عليه؟ هل تريد أن تسبب لنا مشاكل مع أهلنا !؟

{مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا}

يعني: ما ميزتك علينا؟ لماذا تتخيل أننا يمكن أن نجعل أنفسنا تابعين لك؟ أنت بشر ولديك عقل واختيار، ونحن بشر ولدينا عقل واختيار!!

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}

يعني: نحن نعلم هدفكم، تريدون أن تكونوا مشهورين، تريدون أن تكونوا أعلى منا، تريدون أن تكونوا متبوعين ونحن التابعين، هيهات!! (يعني هذا من فطنتهم!! نسأل الله الهداية والثبات)


وحقيقة المنصوحين الذين يتهمون الدعاة دائما ويتكلمون في موضوع الأخلاق وغيره
كما قال صالح عليه السلام

{وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}


ومما أمر الله تعالى به نبيه عليه الصلاة والسلام

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة 73، والتحريم 9]

قال ابن عباس: أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهبَ الرفق عنهم. [تفسير ابن كثير]

(والمقصود جهاد الكفار حال الحرب، وليس بقتل المعاهد والذمي، وهذا يحتاج إلى علم)

فإن من الناس من لا ينفعه الرفق، بل يزيده شرا، وينتقل شره إلى من حوله، وإلى المجتمع
فليس هدف الداعية فقط هداية المدعو، أحيانا يكون هدفه كف شر هذا المدعو عنه أو عن المسلمين، فإذا كان شره لا ينكف إلا بالغلظة، غلظ عليه ليرتدع (وهذا أيضا يحتاج إلى علم، حتى لا يأخذ العامي دور الحاكم، ولا الابن دور الأب... فكل إنسان يغلظ وفقا لمكانه الذي وضعه الله تعالى فيه)


ونختم القسم الخاص بكلام الله تعالى، بأنه جل في علاه أمر بالتذكرة والموعظة، ولم يقل أن ذلك: تدخل فيما لا يعني!
بل إنه حصر المنتفعين من التذكرة بأنهم المؤمنين (مما يدل على أن من لا ينتفع من الذكرى هو الذي لديه المشكلة، هو ضعيف الإيمان، أو عديم الإيمان)

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات]

بل إنه سبحانه بين أن الذي ينتفع من التذكرة هو من يخشى الله تعالى، وأما الذي لا ينتفع من التذكرة (بأن تضايقه، أو يرفضها، او يجادل فيها، أو يتكبر عن الاعتراف بحقيقتها... الخ) فإنه الأشقى...

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (13) الأعلى

ملحوظة: وليس المقصود هنا فذكر إن ظننت أن تنفع الذكرى (وليس هذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ولكن المقصود ب(إن) هنا (لعلّ)
أي: فذكر لعل الذكرى تنفع [مقتبس من تفسيري الطبري وابن عاشور]


ثانيا: أحاديث من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

*غضب النبي صلى الله عليه وسلم عند معصية الله تعالى:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وفي البيت قِرامٌ فيه صور، فتلوَّن وجهه، ثم تناول السِّترَ فهتكه، وقالت: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "من أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور" [رواه البخاري ومسلم]

لم يقل لها: لماذا يا عائشة وضعتي هذه الصور؟ من الأفضل أن تزيليها، ثم أنت حرة تفعلين ما تشائين!
غضب، واحمر وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم مزق الستارة بيده

عن سلمة بن الأكوع قال: أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: "كُل بيمينك" قال: لا أستطيع. قال: "لا استطعت". ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعهما إلى فيه. [رواه مسلم]

أي أن يده انشلت!
دعا عليه – صلى الله عليه وسلم، لأنه تكبر عن الاستسلام لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر سهل ويسير، ولم يشفق عليه، وحينما رأى يده انشلت، لم يقل: أنا آسف، لم أقصد ذلك، ليتني لم أدع عليك !!

عن أبي ذر قال: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ" [رواه البخاري ومسلم]

لم يقل له: هداك الله يا أبا ذر، ما فعلته خطأ
ولم يقل له: استغفر الله يا أبا ذر (فقط)
ولم يقل له حتى: إن هذا من فعل الجاهلية. بل قال له "إنك امرؤ فيك جاهلية".


غضب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه إذا تصرفوا بما لا يليق بهم:

كَانَتْ بيْنَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فأغْضَبَ أبو بَكْرٍ عُمَرَ، فَانْصَرَفَ عنْه عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أبو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ له، فَلَمْ يَفْعَلْ حتَّى أغْلَقَ بَابَهُ في وجْهِهِ، فأقْبَلَ أبو بَكْرٍ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ أبو الدَّرْدَاءِ ونَحْنُ عِنْدَهُ: فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَّا صَاحِبُكُمْ هذا فقَدْ غَامَرَ" قالَ: ونَدِمَ عُمَرُ علَى ما كانَ منه، فأقْبَلَ حتَّى سَلَّمَ وجَلَسَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَصَّ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخَبَرَ، قالَ أبو الدَّرْدَاءِ: وغَضِبَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وجَعَلَ أبو بَكْرٍ يقولُ: واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أظْلَمَ! فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "هلْ أنتُمْ تَارِكُونَ لي صَاحِبِي، هلْ أنتُمْ تاركونَ لي صَاحِبِي!!؟ إنِّي قُلتُ: يا أيُّها النَّاسُ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقْتَ" قالَ أبو عبدِ اللَّهِ: غَامَرَ: سَبَقَ بالخَيْرِ. [رواه البخاري]

غضب من عمر، وانتهره، وعاتبه بشدة
ولم يقل: سامحك الله يا عمر، لم تفعل هذا مع أخيك !!
لأن المقام يقتضي ذلك.

وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال: "يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز، فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة" [رواه البخاري ومسلم]

وعظ الناس وهو غاضب عليه الصلاة والسلام، ولم يقل أحد: إن خطبته هذه نفرت الناس عن الدين!!

(مع ملاحظة: لما قال إن منكم منفرين، وهذا من الأحاديث التي يستشهد بها كثيرا دعاة "الأخلاق المزعومة" ، فلأن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، افتتح معهم صلاة الجماعة، وقرأ بهم بالبقرة، كاملة! هذا يعتبر حقيقةً تنفير... فليس الأمر بالهوى!)

عن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة، أو حصيرًا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، فتتبع إليه رجال، وجاؤوا يصلون بصلاته، ثم جاؤوا ليلةً فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإنَّ خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة" [رواه البخاري ومسلم]

حصبوا الباب: ألقوا عليه الحصى لينبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
غضب من أصحابه، أنهم ألحوا عليه في الخروج، ورفعوا أصواتهم

وهجر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لصاحبه كعب بن مالك وصاحبيه، 50 يوما، لا يكلمونهم، هذا وهم تائبون عما فعلوا! ولكنها تربية يحتاجونها حتى لا يعودوا لمثل ما فعلوا مرة أخرى، وليكونوا عبرة لبقية الصحابة.
والقصة معروفة، يمكن الرجوع إليها في هذا الرابط.



وهجر عليه الصلاة والسلام زوجاته كلهن شهرا، حينما ألححن عليه أن يزيد من نفقتهن.

ولم يقل: ثلاثة أيام كفاية!
طيب فلأكن لطيفا معهن وأعطيهن من الغنائم زيادة عما أعطيهن، فهو مباح!!
فهذا لا يليق به عليه الصلاة والسلام، ولا بأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن جميعا وأرضاهن.


غضب النبي صلى الله عليه وسلم عند كثرة السؤال:

عن زيد بن خالد الجهني، أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: "عرِّفها سنة، ثُمَّ اعرف وكاءها وعفاصها، ثُمَّ استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه". قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: "خذها فإنَّما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب". قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، ثم قال: "ما لك ولها!؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها". [رواه البخاري ومسلم]

لم يبتسم في وجهه، ويستمر على حلمه للأبد !!!!!
أجابه مرة، مرتين، وفي الثالثة غضب عليه، وانتهره، لأن سؤاله لا معنى له، ويعتبر تنطع، ولو أنه نفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببساطة، وانتفع من الملاحظات التي قالها، لفهم العلة من الحكم، ولما زاد الأسئلة عليه صلى الله عليه وسلم.

عن طلحة بن عبيد الله: أنَّ أصحابَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ: سلْهُ عمَّن قَضى نحبَهُ من هوَ؟ كانوا لا يجترِئونَ على مسألتِهِ، يوقِّرونَهُ ويَهابونَهُ، فسألَهُ الأعرابيُّ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ سألَهُ فأعرضَ عنْهُ، ثمَّ سَألَهُ فَأعرَضَ عنْهُ، ثمَّ إنِّي اطَّلعتُ مِن بابِ المسجدِ وعليَّ ثيابٌ خضرٌ، فلمَّا رآني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالَ: "أينَ السَّائلُ عمَّن قضى نحبَهُ؟" قالَ: أنا يا رسولَ اللَّهِ! فقالَ رسولُ اللَّهِ: "هذا مِمَّن قَضى نحبَهُ" [صحيح الترمذي]

أعرض عنه أكثر من مرة، ولم يُعد هذا من سوء الأدب!
صلى الله عليه وسلم.

وعن أبي قتادة رضي اللّه عنه، أنَّه قال: رجل أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر رضي اللّه عنه يردِّد هذا الكلام حتَّى سكن غضبه. [رواه مسلم]

لأن سؤاله خطأ، وإذا أجابه بأي إجابة قد يكون فيها مفسدة، كأن يُفرض عليهم ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن يتقالّ عبادته... الخ
وكان الأحرى به أن يقول: كيف أصوم؟ أي: كيف تنصحني أن أصوم يا رسول الله.


غضب النبي صلى الله عليه وسلم عند سوء الأدب مع دين الله:

بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وهو رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ اعْدِلْ! فَقالَ:" ويْلَكَ، ومَن يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ!؟ قدْ خِبْتَ وخَسِرْتَ إنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ" فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لي فيه فأضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقالَ: "دَعْهُ، فإنَّ له أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". [رواه البخاري ومسلم]

لم يقل له: سامحك الله يا أخي! لماذا تقول علي هكذا !!
ولم يسكت عليه الصلاة والسلام
ولم يقل له: هل ترضى أن تقول لرسول الله اعدل !!! (ليتكم تتخيلون الردود الباردة التي نستخدمها كثيرا مع الناس، مهما كانت فداحة ما يفعلون أو يقولون)
غضب عليه الصلاة والسلام، وقال له: ويلك
ومن يعدل إذا لم أعدل !!


ردود فعل النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها شدة، بسبب بشريته أو تعبه:

أَرَادَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَنْفِرَ (في حجة الوداع) فَرَأَى صَفِيَّةَ علَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً، لأنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ: "عَقْرَى حَلْقَى- لُغَةٌ لِقُرَيْشٍ - إنَّكِ لَحَابِسَتُنَا !؟" ثُمَّ قَالَ: "أكُنْتِ أفَضْتِ يَومَ النَّحْرِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "فَانْفِرِي إذًا" [رواه البخاري ومسلم]

عقرى حلقى يعني: عَقَرَها اللهُ وأصَابَها في حَلْقِها الوَجَعُ، وهذا ممَّا جَرى على ألْسِنتِهم مِن غَيرِ قَصدٍ له.
فليس النبي صلى الله عليه وسلم منزها عن التلفظ بالألفاظ الشديدة، التي جرى العرف بها، دون أن يقصد معناها حقيقةً.

ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: "كُفَّ عليك هذا" وأشار إلى لسانِه. قلتُ: يا نبيَّ اللهِ وإنا لمَؤاخَذون بما نتكلَّم به؟ قال: "ثَكِلَتْك أُمُّك، وهل يَكبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم – أو على مناخرِهم - إلا حصائدُ أَلسنِتِهم؟" [صحيح الترمذي]

ثكلتك أمك أي: فقَدَتْك، وليس المرادُ به الدُّعاءَ عليه، ولكنَّها مِن كلامِ العرَبِ، واستعمالُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لها لِتَنبيهِه إلى أمرٍ كان يَنبَغي أن يَنتَبِهَ له ويَعرِفَه.

عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَومَ بَدْرٍ وهو غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، قدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فإنْ يَكُنْ في الجَنَّةِ أصْبِرْ وأَحْتَسِبْ، وإنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى ما أصْنَعُ! فَقَالَ: "ويْحَكِ، أوَهَبِلْتِ!؟ أوَجَنَّةٌ واحِدَةٌ هي!؟ إنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وإنَّه في جَنَّةِ الفِرْدَوْس" [رواه البخاري]

فكلمة (ويحك) و (أوهبلت؟ - في لغتنا: انجنيتي!؟ فقدتي عقلك !؟ ) لا تدل على (الغلظة، أو الدفاشة كما نسميها) ولكنها تعبير إنساني، بل بالعكس، في أحيان كثيرة قد تدل هذه الكلمات على التلطف، لأن الإنسان لا يكون على طبيعته ويقول ألفاظا كهذه في مواطن كهذه، إلا مع القريب، الذي ليس بينه وبينه كلفة، ولا رسميات. فليتنا نفهم ونتأسى بمن أمرنا الله تعالى بالتأسي به عليه الصلاة والسلام.


عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتي الَّتي كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِيهَا عِندِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُما عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إزَارِهِ علَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا رَيْثَما ظَنَّ أَنْ قدْ رَقَدْتُ، فأخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ البَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي في رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ علَى إثْرِهِ، حتَّى جَاءَ البَقِيعَ فَقَامَ، فأطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فأسْرَعَ فأسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فأحْضَرَ فأحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فليسَ إلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقالَ: "ما لَكِ يا عَائِشُ!؟ حَشْيَا رَابِيَةً" قالَتْ: قُلتُ: لا شيءَ! قالَ: "لَتُخْبِرِينِي، أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ!" قالَتْ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فأخْبَرْتُه!، قالَ: "فأنْتِ السَّوَادُ الذي رَأَيْتُ أَمَامِي؟" قُلتُ: نَعَمْ.
فَلَهَدَنِي في صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قالَ: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسولُهُ؟" قالَتْ: مَهْما يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، نَعَمْ. إلى آخر الحديث. [رواه مسلم]

لهدني: أي ضربني بجمع كفه، أو دفعني بشدة فأوجعني.
فهذه الضربة التي ضربها إياها صلى الله عليه وسلم، لا تدل على أنه قاس، ولا متوحش، ولا أنه غير رحيم ورفيق، ولا أنه غليظ وفظ! حاشاه عليه الصلاة والسلام
لكنه في وسط كل اللطافة والرفق والرحمة والحلم والصبر والهدوء الذي يعيشه بين أصحابه، من البشري والطبيعي أن يخرج منه ردود فعل بشرية (مُحرّمة في زماننا!!!) كهذه، تناسب الموقف، ولا يصح أن تُنسى كل صفات هذا الإنسان وحلمه، ويُتّهم أنه فظ بسبب هذا الفعل. إلا عند الجَحود والمُصرّ على هواه.


ناهيك عن العقوبات التي كان يعاقب بها من يستحق من الناس:

كما كان يضرب على شرب الخمر
ويرجم الزاني
ويقطع يد السارق
(وإن تاب ورجع، وإن كان من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين)
وكما فعل مع العرنيين:

عن أنس بن مالك قال: قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَفَرٌ مِن عُكْلٍ، فأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ فأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِن أبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وقَتَلُوا رُعَاتَهَا، واسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وأَرْجُلَهُمْ وسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حتَّى مَاتُوا. [رواه البخاري ومسلم]

فهؤلاء قابلوا إحسان المسلمين بالخيانة، وقتلوا من احسن إليهم، وسرقوا الإبل، فلم يشفق عليهم أن عاقبهم هذه العقوبة الشديدة.


وناهيك عن الحروب:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشجع الناس، وأرجل الرجال، حينما كان يقف في الصف أمام الكفار، الذين يحولون دون نشر دين الله للناس، أو يعتدون على المسلمين، كان يقاتلهم، فيقتلهم، ويأسر منهم، ولا يشفق عليهم ويقول: فلأكن متسامحا وحسن الخُلُق ! فلأدعهم يقتلونني ويغتصبون نسائي حتى لا أنفر الناس عن الدين !!
صلى الله عليه وسلم.

__________________________________

وما ذكرناه في هذا المقال مجرد إشارات، ليس المقصود منه الحصر

وعلى الرغم من كل ما قلنا، نرجع ونقول: إن الأصل في رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه {بعث رحمة للعالمين} وأنه {بالمؤمنين رؤوف رحيم}
و أنه {بما رحمة من الله لنت لهم.. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}

فكان أرحم الناس بالناس
وألطف الأزواج مع زوجاتهم
وأسهل صاحب مع أصحابه
وأحلم قائد مع أعدائه

بل إن رحمته وإحسانه طالت البهائم والطيور

كان بشرا عليه الصلاة والسلام، لم ينفك عن صفة أنه بشر
لكنه كان رسولا، كريما، من أولي العزم من الرسل، خليل الله، وصفيه من عباده، صاحب الشفاعة الكبرى، صاحب المقام المحمود.. كان خلقه القرآن صلى الله عليه وسلم.

ومن أراد أن يستزيد في معرفة رحمته ورفقه وحلمه عليه الصلاة والسلام
يمكنه الرجوع إلى هذه الروابط:










نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل
وأن يرزقنا العدل والقسط، وأن يرزقنا التوازن على الصراط المستقيم، وأن يثبتنا على ذلك بإحسانه ومنّه وكرمه حتى نلقاه، ويغفر لنا، ولا يعاملنا بعدله أبدا، ويدخلنا الجنة برحمته التي وسعت كل شيء، بلا سابقة عذاب ولا حساب.
اللهم آمين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية