~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

إلى كل طالب علم .. ما هو السمت !!؟



إن الأمة الإسلامية تمر بمرحلةٍ حرجةٍ منذ فترة طويلة، تحتاج إلى كل قلبٍ صادقٍ متواضع، يفهم الحق، ويحمل هم العمل به على نفسه قبل غيره.

وليست المرحلة المقصودة هي الحروب، والفتن، وانتشار المعاصي...
فإن هذه ثمار طبيعية لجذر المشكلة، الذي يجب أن يُصلح حتى تطيب الثمار وتصح.


إنما المقصود هو "نُدرة" طلبة العلم.. المتصفين بالتقوى !




نعم.. إن العلم في زماننا يملأ البيوت والأجهزة.
وطلبة العلم متوافرون..
وأهل الحق لهم صوت وأتباع...


لكن هناك خلل عظيم، لو لم يكن موجودا (مع هذه الأعداد الضخمة من طلبة العلم والمنتسبين للاستقامة) لتذوقت الأمة طعما من عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه !



فإن التقوى لا تساوي >< العلم !

إنما التقوى هي العمل بالعلم، والعمل يكون في اتجاهين أحدهما أهم من الآخر:

- عملٌ على صلاح القلب (وهو الأولى والأهم)

- وعملٌ على صلاح الجوارح




فالمنتشر في كل مكان عندنا الآن، أناس يحملون من العلم ما يفوق ما وصل إلى جُلّ الصحابة !

ينشرونه بين الناس، ويدعون العالم إليه..
ولم يطبقوا منه على أنفسهم مقدار ما ينجّيهم من النار !


( مع وجود القليل الذين قد لا يكونون مشهورين، وقد يكونون من العوام .. إلا أنهم حققوا التقوى بمقدار ما معهم من العلم، قلّ أو كثر )


وهنا أذكر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين، حينما وصف ظاهرة التعصب التي انتشرت في زمانه هو، فقال:


( تالله إنها فتنة عمّت فأعْمَت، ورمت القلوب فأصمّت، ربا عليها الصغير وهرم فيها الكبير، واتُّخذ لأجلها القرآن مهجورا، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطورا، ولما عمت بها البلية وعظمت بسبها الرزية، بحيث لا يعرف أكثر الناس سواها، ولا يعدون العلم إلا إياها، فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون، ومؤثره على ما سواه عندهم مغبون، نصبوا لمن خالفهم في طريقتهم الحبائل، وبغوا له الغوائل، ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد، وقالوا لإخوانهم {إنا نخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} !

فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة ألا يلتفت إلى هؤلاء، ولا يرضى لها بما لديهم، وإذا رفع له علم السنة النبوية شمر إليه ولم يحبس نفسه عليهم، فما هي إلا ساعة حتى يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، وتتساوى أقدام الخلائق في القيام لله، وينظر كل عبد ما قدمت يداه، ويقع التمييز بين المحقين والمبطلين، ويعلم المعرضون عن كتاب ربهم وسنة نبيهم أنهم كانوا كاذبين ) اهـ



هذه الإشكالية التي يعاني منها جل أفراد الأمة، يندرج تحتها الكثير من التفاصيل، التي كان يجب أن يتربى عليها طلبة العلم حتى لا نعاني من انتشار هذا النموذج (في كبار طلبة العلم وصغارهم)


إلا أننا هنا سنركز على أمر واحد، يعتبر شبهة جوهرية، نظن بفضل الله تعالى وقوته أنها إذا صلحت، فإن الكثير من الأمور ستصلح بعدها.


وهي ~ السمت ~


مفهوم السمت قد انتشر في كلام طلبة العلم وقلوبهم انتشار النار في الهشيم، وصارت الغاية التي يصبو إليها الطالب حينما يدخل إلى طلب العلم.. هي تحقيق السمت..

والسمت له معانٍ وأحكام في غاية الأهمية، يمكن لفهمها الرجوع إلى هذه المشاركات القيمة للاخ أبو هبة جزاه الله خيرا




والكلام الذي في المقالة لا تثريب عليه، إلا من جهة واحدة

وهي: مقدار التركيز على السمت الظاهري، مقارنة مع ما ذكر في السمت الباطني، الذي هو جذر السمت وسببه.


فسننوه هنا إلى نقاط نسأل الله تعالى أن يحيي بها قلوبا، وأن يرد المسلمين إلى دينه ردا جميلا.
  




 على الرغم من الأدلة والتفاصيل التي تدل على أن كلمة سمت كما عرّفها ابن حجر رحمه الله تعالى: أَنَّهُ تَحَرِّي طُرُقِ الْخَيْرِ وَالتَّزَيِّ بِزِيِّ الصَّالِحِينَ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنْ الْمَعَائِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ .


إلا أننا لا نكاد نجد حلقة علم، ولا مجلس تدبر، يعلم طلبة العلم ماذا تعني المعائب الباطنة!؟ وكيف يفهمونها؟ وكيف تتم معالجتها !؟


وجلّ التركيز في الحلق وغيرها على المعائب الظاهرة، وما يجب أن يتزين به طالب العلم من المظهر، والنظرة، والمشية، وطريقة الكلام، والرد....


فماذا نتج عن ذلك !؟

نتج عن ذلك في الغالب صنفين:

-منافقين (يُظهرون السمت ويبطنون من الشبهات والشهوات ما قد تخرجهم من الملة، أو دون ذلك!)

-ومرضى قلوب (يحملون مقدارا من الإيمان، ويحملون معه أمراضا تفتك بهم، وتنزع البركة من كلامهم، وتشغلهم بتعليم الناس أعمال الجوارح والاعتقادات النظرية المفرغة، عن إصلاح قلوبهم صلاحا حقيقيا ودفعهم لتحقيق التقوى)



فلا يُلام عوام الناس بعدها حينما نفروا من أهل الحق (وأنا أعني هنا أهل الحق، لأننا هنا لا نتكلم عن أصحاب البدع، أو دعاة الجهل والضلال... إنما نتكلم عمن تعلموا العلم الصحيح، والمعتقد الصافي، إلا أنهم تعلموه ليصلحوا به "سمتهم الظاهري" ويتفاخرون بتعليمه لغيرهم)



ولا نستثني أحدا من هذا الوصف!
لأننا حينما سنلاحظ الثمار المُرّة التي ظهرت على طلبة العلم هؤلاء، سيكتشف كثير من طلبة العلم أنه أحد المقصودين بهذا النداء وهذا التحذير..



فإما أن يكون صادقا في إرادة الحق، فينتفع من الملاحظات والنصائح في إصلاح نفسه، ولو كبر سنه، وقربت منيته، لأن غايته هي أن يلقى الله تعالى وهو عنه راض، ولا يكون في رقبته أعداد من المسلمين، أساء لهم، أو ظلمهم، أو بغض إليهم الحق وأهله.. بسبب ما انطوى عليه قلبه من أمراض أهملها ولم يعطها من وقته وجهده.


أو أن يكون صاحب هوى (على اختلاف درجات الهوى) فلا يرغب في أن يتعب نفسه، ولا أن يبدأ يجاهد من جديد (كوارث) اكتشفها على كبر، ولا أن يغير طريقته التي اعتادها في التعامل مع الناس والتعامل مع طلبته...


في النهاية نحن نقوم بما نستطيع، والذي من صفاته الهداية هو الله الملك العظيم جل في علاه.



  

بعض المشاكل التي يعاني منها كثير من طلبة العلم فيما يخص السمت (باختصار) مع التنويه إلى حال الصالحين (أصحاب السمت الحقيقي):

وأولهم سيد العلماء، وسيد الصالحين، وسيد الرجال، وسيد التقاة، وسيد أصحاب الخلق... صلى الله عليه وعلى آله وسلم.




( 1) أنهم يظنون أن السمت يبدأ من الخارج.

وهذا هو الذي حولهم إلى منافقين (نفاقا أصغر أو أكبر) لأن صفة المنافق أنه يظهر عكس ما يبطن.


يقول الله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا
ويُشهد الله على ما في "قلبه" وهو ألد الخصام}



وقال s : " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "

وقال s : " التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات "




فكثير من هؤلاء الطلبة يحملون في قلوبهم:

حب الدنيا
شدة التعلق بأنواع الترف فيها
الانغماس في الكسل وحب الراحة
شدة الرغبة في مديح الناس، ثم التفافهم حوله، ثم الشهرة...
الكبر، فينظر إلى الناس على أنهم أقل مستوى منه، أدنى حالا، ليس لهم من الحقوق ما له، مفروض عليهم احترامه، وهو ليس مفروض عليه احترام أحد
الحسد، إن كان حسدا لأهل الدنيا، أو الحسد لأصحاب الشهرة والمكانة من طلبة العلم
سوء الظن بالناس
حب التفكه والضحك ومجالسة أهل الدنيا والانغماس في كلامهم واهتماماتهم...
.... الخ


في حين أنه يراعي حينما يكون بين الناس (الذين هم ليسوا خاصته) أن يكون قليل الكلام، هادئ المشية، يرد بطريقة أهل العلم، ينصح الناس باستمرار، يظهر لهم أنه مهموم بالآخرة، ينوه إلى أنه مذنب ومقصر ليظهر في سمت المتواضعين، يغض بصره عن دنياهم (وهو يشتهيها) ينزل رأسه، يحاول الكلام مع الناس بتلطف ومجاملة، حينما يُعطى الكلام في المجلس فإنه يرص ما تعلمه رصا رزينا جميلا، قد يصل إلى أن يؤثر في القلوب، يراعي فيه البلاغة والموعظة وإظهار الحرص على مصلحة السامعين، والغيرة على الأمة...... الخ


وليست المشكلة في هذه المظاهر...!!

إنما المشكلة أن هذه المظاهر في واد.. والقلب في واد آخر !

وهذا هو النفاق (أن يزين الإنسان ظاهره للناس، ويهمل محط نظر الله منه!) فأين تعظيم الله في قلب هذا !؟ ماذا نفعه علمه إن لم يكن قلبه مشغولا برضا من كل نعمة هو فيها منه سبحانه !؟


يقول الله تعالى في وصف المنافقين { يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ }

ويقول جل في علاه { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }


فالمنافق يظهر الحق ويخفي الباطل، إن كان نفاقا أصغر أو أكبر.





( 2) يظنون أنه من السمت أن لا يتعاملوا مع الناس ببساطة وعفوية (بالطريقة التي يتعامل الناس فيها في بيئتهم)

فيضعون حاجزا بينهم وبين الناس:

طريقة كلامهم تكون مختلفة
وضحكهم مختلف
وجلستهم ونظراتهم مختلفة
وردودهم مختلفة
ينصحون الناس بأي أسلوب تمليه عليهم شخصيتهم
لا يعطون اهتماما لأسئلة الناس وحيرتهم كما ينبغي
يردون عليهم ردودا مقتضبة لا تشفي حيرتهم ولا تدلهم على الحق
لا يتورعون عن مقاطعتهم ظنا منهم أنهم فهموا سؤالهم قبل أن يكملوه
يغضبون عند عدم فهمهم... الخ المظاهر الكثيرة التي يتذوقها العوام من طلبة العلم هؤلاء...

لا يختلطون مع الناس في محادثاتهم، بالطريقة العادية التي نشؤوا عليها عرفا
لأنهم يظنون أن هذا يخالف السمت !!
وأن طالب العلم " يجب " !!! أن يتميز عمن حوله في طريقة كلامه وردوده... الخ.



تعالوا لننظر إلى سمت سيد الرجال.. رسول الله s ، وسمت الصالحين من بعده :

V
V
V

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قالوا يا رسول الله.. إنك تداعبنا ! قال : " نعم، غير أني لا أقول إلا حقا"


وقد سئل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: هل كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضحكون ؟ قال : نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل

وقال بلال بن سعد : أدركتهم يضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل، كانوا رهبانا .

وقال رجل لسفيان بن عيينة:   : :    المزاح هجنة (أي مستنكر)؟! فقال: بل هو سُنَّة، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه.

... الخ



وهذا لا يعني الإفراط في المزاح والضحك، فقد حدد لنا الشرع حدودا توقفنا عن الضحك الذي يضرنا:

مثل: " كثرة الضحك تميت القلب"

" ويل للذي يُحدث فيكذب ليُضحك به القوم ويل له "

{ قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون }



فالسمت الذي أصلح الصالحين، هو السمت الناتج عن تطبيقهم للنصوص..

فإدراكهم أن كثرة الضحك تميت القلب، وهم مرهقون من دوام إصلاح قلوبهم، تجعلهم يبغضون كثرة الضحك، فينتج عنه تلقائيا أن يكونوا قليلي الضحك ( دون تمثيل ولا تجمّل !)

وإدراكهم أن هناك من المزاح ما هو محرم، تجعلهم ينتبهون له إذا قيل، وينصحون من قاله بما يناسب الحال... ليس تعاليا، ولكن لشدة تعظيمهم لله، واستنكار قلوبهم للتجاوز الذي سمعوه...






كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو! حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه..


وعن أنس رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخٍ لي صغير: "يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَير؟"

لم يكن لرسول الله s شكلا خاصا، ولا طريقة خاصة، ولا كلاما خاصا، ولا نظرة خاصة... وهو سيد العلماء وسيد المعلمين...


ومع هذا.. وبسبب ما وقر في قلبه من حقيقة تعظيم الله، وحقيقة التقوى، وحقيقة الانشغال بالآخرة...

جعل الله تعالى له المهابة في قلوب الناس..
حتى إن الصحابة ليهابون أن ينظروا إليه !!

(دون تصنع ولا تعال)




سئلت عائشة: ما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مِهْنَةِ أهله - تعني خدمة أهله -، فإذا حضرت الصَّلاة خرج إلى الصَّلاة.

وقال s : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهلِهِ، وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي"



فليس السمت أن تتصنع المثالية خارج البيت، فإذا رجعت إلى أهلك كنت بينهم ملكا !!
فلا يستطيعون مناقشتك
ولا الانتفاع منك
ولا طلب مساعدتك
ولا التدلل عليه بما لهم عندك...


فالذي في قلبه كبر، يكون مهموما بحقوقه على من حوله، ولا يفكر في حقوق من حوله عليه !!


مع أن الأولى، أن العلم الذي تعلمته، والتقوى التي يفترض أنك حققتها، تجعلك أكثر الناس تواضعا، وأكثرهم رفقا، وأكثرهم خوفا من التفريط في الحقوق، وأكثرهم حرصا على معونة المؤمنين (ومن باب أولى أهل بيتك)....





 ( 3) يظنون أنه من السمت أن لا يتجرأ أحد على نصحهم أو انتقادهم !


يقول الله تعالى { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ }


ويقول  { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }


ويقول { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى }


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمنونَ هيِّنونَ ليِّنُونَ، كالجملِ الأَنِفِ، إِنَّ قِيدَ انقادَ، وإذا أُنِيخَ على صخرةٍ استناخَ "


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدِّينُ النَّصيحةُ قلنا : لمن ؟ قال : للَّهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ ولأئمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم"


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الكِبرُ بَطرُ الحقِّ وغمطُ النَّاسِ"




فكم من طلبة العلم الذين ينصحون الناس يمينا وشمالا، ولكن إذا جاءهم أحد ينصحهم ( إن كان قريبا من أهلهم الذين يطلعون على خاصة أحوالهم، أو بعيدا ممن رأى عليهم خطأ أو سمع منهم زلة، كبرت أو صغرت )

فإن أول ردة فعل لهم.. أن يبغضوا هذا الموقف في قلوبهم (وكم يظهر هذا على قسمات وجوههم، والحاجز الذي يضعونه مع من أمامهم، وردودهم المقتضبة المليئة بالمجاملة، من شكر أو دعاء يشع بغضا وكبرا)

ناهيك عن دفاعهم عن أنفسهم
أو مجادلة هذا الإنسان في ملاحظته
أو لومه وعتابه...

لأنه أفسد عليهم (سمتهم الظاهري!!) أمام الناس .. أو حتى أمام أنفسهم !!!!!



إنما هذا من صفات المنافقين، ولا علاقة له بصفات المؤمنين لا من قريب ولا من بعيد!!

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)



أما المؤمن.. فإنه يرى هذه النصيحة التي أرسلها الله تعالى له.. كأنها كنز !
يفتح لها أذنيه وقلبه
ويكون أحرص ما يكون للانتفاع بها أشد وأعمق الانتفاع...

لأن هدفه ليس (السمت) إنما هدفه.. أن يرضى ربه المطلع على قلبه وسرائره سبحانه





 ( 4) يظنون أنه من السمت أن يعاملوا طلبتهم ومستفتيهم باختصار وعلو.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيأتِيكمْ أقوامٌ يَطلُبونَ العِلمَ، فإذا رأيتُموهمْ فقُولُوا لهمْ: مرْحبًا بوصيَّةِ رسولِ اللهِ، وأفْتُوهمْ "


فكان رسول الله يوصي العلماء بطلبة العلم، وبالترفق معهم، وبالتواصي بهم خيرا...


فحينما تجد أن طلبة العلم (أصحاب السمت الظاهري) عندنا، لا يعطون من تحتهم، أو من يستفتيهم أصلا فرصة ليقول سؤاله كما يريد !

ولا يفتحون له المجال ليفهم الحق بأدلته (يكفي أن يأخذ إجابتهم ويطبقها دون أن يفهم)

بل المشكلة قبل هذا، أنهم لا يختلطون بالناس، ولا يناقشونهم، ولا يفهمون منهم شبهاتهم ومشاكلهم، إن كانوا القريبين أو البعيدين، فيتعاملون مع أسئلتهم بسطحية (ظانين أن الناس مسلمون بالفطرة.. وموحدون بالفطرة.. ويعلمون المعلوم من الدين بالضرورة بالفطرة !!!!!!!!!!!!!)

وهل أوصل الناس إلى الإلحاد والشرك والكفر بألوانه إلا هذا !!!؟


ولو تواضعوا..!
ولو فتحوا قلوبهم وأسماعهم إلى الناس...
لأدركوا الكثير من التفاصيل التي يبحث الناس عنها ليصلحوا بها قلوبهم (قبل أبدانهم)

وحينما لم يجدوها عند أهل الحق (أصحاب السمت المشغولين !!)

بحثوا عما يشابهها عند أهل الجهل والزيغ (الذين يقطرون لطافةً ورفقا وتواضعا وتبسيطا للعلم وضربا للأمثلة الواقعية التي يعيشها الناس...!!)

وحين نظن أن طلبة علمنا لا يشاركون في إثم هؤلاء !!؟
نكون واهمين



فإن الله جل في علاه عاقبهم على مافي قلوبهم من كبر (ظنوا أنه سمتا!) بأن صرف قلوب الناس عنهم، حتى ألفوا لوحدهم، ولا زالوا يحاربون لتعليم الناس (العقيدة النظرية، وأعمال الجوارح) !!

والناس يزيدون عنهم بعدا !




 ( 5) يظنون أنه من السمت أن لا يعترفوا بعيوبهم أمام أحد.. ولا يستعينون بأحد عليها...!

يقول الله تعالى { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ }

ويقول { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمِنُ مرآةُ أخيهِ ، المؤمنُ أخو المؤمنِ يَكُفُّ عليهِ ضَيْعَتَه ويحوطُه مِن ورائِهِ"

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْيَنْفَعْه"

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان  يشد بعضه بعضا" ثم شبك بين أصابعه.


قال ابن قدامة رحمه الله :
" فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق :

✨ الطريقة الأولىأن يجلس بين يدي شيخٍ بصيرٍ بعيوب النفس ، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها ، وهذا قد عَزّ في هذا الزمان وجوده ، فمن وقع به ، فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه ..

✨ الطريقة الثانيةأن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً ، وينصبه رقيباً على نفسه ليُنبِّهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله ..

وقدكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول : رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا ..
وقد كان السلف يحبون من ينبههم على عيوبهم ..
ونحن الآن في الغالب أبغض الناس إلينا من يعرفنا عيوبنا ، وهذا دليل على ضعف الإيمان ..

✨ الطريقة الثالثةأن يستفيد معرفة نفسه من ألسنة أعدائه ، فإن عين السّخط تُبدِي المساويء ..

وانتفاع الإنسان بعدوٍّ مشاجر يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديقٍ مُداهنٍ يُخفي عنه عيوبه ..


✨ الطريقة الرابعةأن يخالط الناس ، فكل ما يراه مذموماً فيما بينهم يجتنبه " .
مختصر منهاج القاصدين




فمن من طلبة العلم في زماننا يجلس مع شيخه، أو أخ له، يستشيره في أمراض قلبه وأدوائه، أو يتدبر معه من كلام ربه ما يلامس مشاكله فيقع كالدواء على جروح قلبه !؟

إن هذا ينافي السمت !!!
وينافي المثالية التي يظهر بها أمام قرنائه، وطلبته، وشيوخه !!!


فلو اطلعت على حقيقة ما في قلبك ! وأنت في غمرة زهوتك بما تحمله من علم ومكانة ملكك الله تعالى إياها كأمانه حتى تُسأل عن كل ذرة فيها !!!

لأدركت أنك يوم القيامة من الهالكين !
وأن الله قد أحاطك بزملاء وطلبة، لو استعنت بهم على فهم قلبك وإصلاحه لنجوت.. ولبارك الله لك في علمك وعملك..






 



لو استمرينا فلا أظننا ننتهي..


ولكننا نخرج بخلاصة :


أن كثيرا من المنتسبين للعلم "الحق" خلطوا بين السمت وبين النفاق، فحملوا النفاق في قلوبهم، والجفوة في أخلاقهم، بسبب هذه الشبهة التي ملأت قلوبهم.. أنهم ظنوا أن هذا هو سمت الصالحين !



إنما سمت الصالحين هو ما يُظهره الله تعالى على وجوههم، وما ألجموا به جوارحهم، بعد أن امتلات قلوبهم علما عن ربهم، وعن حقائق أنفسهم، وعن حقيقة اختبار الدنيا.. وما ينتظرنا في الآخرة..

فذلت قلوبهم
وانكسر كبرهم
وتحولوا إلى "عبيد!"
يبغضون ما وجدوه في قلوبهم من سوء وخبث وأمراض وتقصير...
وليس لهم أمل إلا أن يرحمهم ربهم جل في علاه !
امتلؤوا رفقا بالناس ورحمة بهم، لما عاينوا صعوبة إصلاح أمراضهم وشهواتهم..
وامتلؤوا زهدا في الدنيا وزينتها الكاذبة ونواقصها التي لا تنفك عنها... فصاروا يجلسون مع الناس بأبدانهم ( حتى يتقوا الله تعالى فيهم ) وقلوبهم مهمومة بحالهم في الآخرة، ويتمنون ترك الدنيا والله راض عنهم في أي لحظة...!

أتقنوا أعمالهم ليرضى الله تعالى عنهم
وعلـّموا العلم.. حتى لا يُسألوا عنه أمام الله
وكرهوا مديح الناس وتعظيمهم لهم.. لشدة إدراكهم لحقائق أنفسهم !! وخجلهم من أن يرفع الله تعالى ستره عنهم !
واستعانوا بمن حولهم حتى يلقوا ربهم بقلوب سليمة
نظروا إلى حال الصالحين بحق .. (من الانبياء والصحابة ) فعرفوا من يكونون على الحقيقة..



السمت ليس لباسا.. ولا لباقة في الكلام..


السمت ثمرة قلب موحد، ذاق العبودية، فصلح الجسد تبعا له.


اللهم أصلح طلبة علمنا
اللهم أصلح قلوبنا







همسة في أذنك أيها المسلم العامي:


إن الله تعالى قد يصلح طلبة العلم بصدقك في إرادة الحق
بصدقك في إرادة النجاة

فاصدق ربك
وأكثر الدعاء (لطلبة العلم قبل غيرهم)


واعلم أن كثيرا من الذين نتكلم عنهم.. هم حملة الحق في زماننا
هم حملة العلم الصحيح

فعامل الله تعالى بالتقوى.. وخذ منهم العلم الذي ينجيك

ولا تأخذ منهم ما يخالف هذا العلم
ولا تتهم دين الله تعالى بسببهم !

ولا تُهلك قلبك بالسماع لكل جاهل وضال بحجة أن كلامه مؤثر..!!



وانتظر من ربك الشكور القيوم سبحانه.. أن يريك عجائب تدبيره، فيأتيك بالهداية والفتح والتسديد من حيث لا تحتسب..


قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه: مَن كانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ.



اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وحببنا فيه
وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه
وثبتنا على ذلك حتى نلقاك

هناك تعليقان (2):

  1. كﻻم رائع، بارك الله فيك ونفع بك.
    أين أنت أخي أطلت الغيبة! ﻻ تحرمنا من فوائدك. نحن محتاجون لتذكيرنا، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، نعم الكل مشغول بالجوارح وقل من ينتبه لخطر العضلة التي بها صﻻح الجسد كله أو هﻻكه، أسأل الله أن يصلحنا ويصلح بنا.
    بانتظار الكتاب الثالث ﻻ حرمنا خير الموقع.

    ردحذف
  2. احسن الله اليك ..اللهم اصلح طلبة العلم واصلحنا

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية