~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الأحد، 5 أبريل 2015

خطب الجمعة.. التي تربي القلوب - عسى الله أن ينفع بها (16)



تابع/ لماذا يبتلينا الله؟ (جـ)
 الأخير



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]

فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرَ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]


قد تكلمنا في الخطبتين الماضيتين عن الإجابة على هذا السؤال: لماذا يبتلينا الله !؟

ووصلنا إلى السبب الثالث الذي يبتلينا الله تعالى من أجله
وهو ليختبرنا فيرفع درجاتنا، عن طريق تربيته لأمراض قلوبنا وعلاجه لها.

ووصلنا إلى ضرب بعض الأمثلة على أمراض القلوب التي يبتلينا الله تعالى ليطهرنا منها. ونأخذ مزيدا من الأمثلة:

-   سوء الظن بالله : 

  وهو الشعور بأن اختيار الله تعالى لي ليس هو أفضل اختيار، وأنه كان من الأفضل لو قدّر علي كذا أو كذا، أو الشعور بأن الله تعالى لن يغفر لي، أو لن يرحمني، أو لن يقبل توبتي، أو لن يجيب دعائي، أو لن يفرج همي... الخ.

يقول أرحم الراحمين سبحانه:


أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) [3]




وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ...(64) [4]




قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) [5]



ثم لا يزال الله تعالى يُرينا: أن أقداره التي كرهناها وتمنينا لو لم تحصل، صارت في النهاية هي الخير بالنسبة لنا، وأتتنا بسببها المصالح والبركة.

ولا يزال سبحانه يُرينا أننا حين نُحارب من أجل تنفيذ خططنا وتدبيراتنا، فإنها في النهاية تكون سببا لتعاستنا وهلاكنا..! فنعلم أنه سبحانه هو الحكيم على الحقيقة، الذي يعلم تماما ما الذي يصلحنا، فأعطانا تماما ما يصلحنا، ويريدنا فقط أن نثق به ونرضى عن اختياره !!

ولا نزال نرى ونعيش حِلم الله تعالى وستره علينا رغم ذنوبنا، بل إن الله في أحيان كثيرة يزيد إحسانه علينا حينما نذنب ليوصل لنا رسالة: لا تقنطوا من رحمتي، فإن رحمتي سبقت غضبي، وليست عقوبتكم غاية لدي، إلا أن تختاروها بأنفسكم !! فعودوا إليّ خجلين مستغفرين.. أغفر لكم ولا أبالي...

فما أسوأ سوء الظن بالله ! وما أوضح رسائل الله تعالى لنا لنحسن الظن به جل في علاه.



-   الشك في حكمة الله : 

  وهو عدم اليقين بأن كل ما يأتي من عند الله تعالى تام الحكمة، مناسبٌ تماما للأحوال والظروف، إن كان ما أتى في شرعه، أو يأتي في أقداره سبحانه.

يقول ربنا العزيز جل وعلا:


... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... (3) [6]


ويقول:


أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) [7]


ويقول:


أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) [8]



فيُرينا الله تعالى في حياتنا الواقعية وحياة غيرنا من الأفراد والجماعات والأمم، أن شرعه وأحكامه هي تمام الحكمة والرحمة واللطف بنا في الدنيا والآخرة، وأنه سبحانه ينجينا فيها من مهالك لا ندركها، وأن العالم لا يصلح إلا إذا تبع دينه وشرعه كما أنزله غضًّا واضحا بيّناً، وأن تطبيق شرعه سبحانه هو السبب لسعادة البشرية وراحتها وطمأنينتها، وسبب ليحل العدل على البلاد والعباد..

حتى إذا رأينا في شرعه سبحانه ما يخالف هوانا، لم نتجرأ أن نكرهه، أو ننتقده، بل نعلم أن عقولنا القاصرة ليست حاكمة على دين أحكم الحاكمين جل في علاه، وأن هذا الشرع هو الحكمة التامة والرحمة التامة، وإن لم نر هذا بأعيننا القاصرة.



-   شدة التعلق بشيء من الدنيا: 

  وهي انشغاف القلب بأمرٍ من أمور الدنيا، إن كان إنسانا، أو مالا، أو لباسا، أو مكانة عند الناس... بحيث يشغل هذا الأمر أغلب مشاعر وتفكير هذا العبد، ويضبط حياته، ويقرر قراراته بما يناسب هذا الأمر الذي هو متعلق به.


قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) [9]



ولا يزال أرحم الراحمين سبحانه يُسلط علينا هذا الشيء أو هذا الشخص الذي تعلقنا به، وشُغِلنا به عن همّ رضى الله تعالى والدار الآخرة، حتى يكون هذا الشيء هو سبب عذابنا، وتعبنا، وإرهاقنا، وقلقنا... فإذا انتفع العبد من التربية وصل إلى أن يعلم الحجم الذي يستحقه هذا الشيء في قلبه، فيزهد بالتعلق به، وتصبح مشاعره اتجاهه متزنة، وينشغل قلبه بهذا الاختبار العظيم الذي هو فيه، حتى يدخل الجنة وينجو من الكربات ومن النار.


-   الحسد: 

   هو كراهية رؤية النعمة على غيري، ويتطور حتى يصل إلى تمني زوال هذه النعمة منه!

قال s: " لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ: الإيمانُ والحَسَدُ " [10]


وقال s: " دبَّ إليْكم داءُ الأممِ قبلَكم: الحسدُ والبغضاءُ، هيَ الحالقةُ ! لا أقولُ تحلقُ الشَّعرَ ولَكن تحلِقُ الدِّينَ " [11]


أحيانا من تربية الله تعالى لهذا الحسود، أن ينعم عليه بالنعم المتوافرة، لعله يقنع، لعله يرضى، لعله يتوقف عن النظر لما أنعم الله تعالى به على غيره (الذي قد يكون أقل نعما منه ! )

وقد يُريه سبحانه نواقص هذه النعم، فتجده مثلا يحسد غيره على وظيفة، ثم يُريه الله تعالى كم هي منهكة ومتعبة هذه الوظيفة، وكم أن هذا الشخص يعاني بسبب مسؤولياتها، لعله يفهم أن الدنيا جُبِلت على النقص، وأنه لا نعمة فيها كاملة !

وقد يُري الله تعالى هذا الحاسد البلاءات التي ابتلى بها غيره، لعله يفهم أنه ليس الوحيد المعرض للبلاءات، إنما كل بني آدم مختبرون معه، وكل واحد يعرضه الله تعالى للبلاء الذي يناسبه...



-   وغيرها من الأمراض الكثيرة 

  التي نفهمها ونفهم تفاصيلها بمزيد من العلم، ومزيد من التدبر لكلام الله تعالى وكلام رسوله s، ومزيد من الاستشارة لإخواننا، ومزيد من الانتفاع بنصائح وانتقادات من حولنا.

وهنا يجب أن نتذكر، أن من أسماء الله تعالى الرحيم والرؤوف واللطيف... لا تظن أن الغالب على أقداره عليك هو الشدة، إنما الجزء الأكبر من تربيته لك إنما هي بما اتصف به من إحسان وحلم وستر وعفو ولطف وتودد وجبر وحفظ ومغفرة وتوبة وكرم وعطاء وجود وحفاوة...

ولكن لأننا في اختبار، والغاية من هذا الاختبار أن نستسلم لهذا الرب، ونقبل تربيته لنا (بشرعه وأقداره) كان لابد وأن يكون جزء من هذه التربية فيه نوع من الشدة، إلا أن هذه الشدة لا تخرج عن قدرتك وطاقتك


لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ... (286)[12]



وكلما طهر قلب العبد من الأمراض، كلما زاد إيمانه، فارتفعت درجته عند ربه سبحانه.

فارض عن ربك، وثق به، وتوكل عليه، وانشغل بإرضائه... ينفعك بتربيته سبحانه ويُرضيك في الدنيا والآخرة.



أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:



السبب الرابع الذي يبتلينا الله تعالى في الدنيا بسببه هو:
( 4) ليختبرنا فيرفع درجاتنا، عن طريق استخراجه منا العبادات المختلفة.


قد يبتلينا الله تعالى بالبلاءات الصغيرة والكبيرة ليس لسبب من الأسباب الثلاثة السابقة، و إنما بحكمته وعظمته وكبريائه سبحانه، يبتلينا ليستخرج منا عبادات لا يمكن أن تخرج منا إلا وقت البلاء. فمن نجح في تعبد الله تعالى بها فقد نجح في الاختبار، فترتفع درجته عند ربه بذلك، ومن فشل في هذا لم ترتفع درجته، وقد تهبط وتقل، ثم يعطيه ربه الحليم سبحانه فرصة أخرى وأخرى وأخرى حتى ينتهي اختباره.

-      مثلا ( الصبر ) : الصبر عبادة يحبها الله تعالى، فقد يبتلي سبحانه عبده لمجرد أن يُخرج منه عبادة الصبر (الذي هو انتظار الفرج مع حسن الظن بالله وعدم التشكي ) فإذا لم يكن هناك بلاء، ولم يكن هناك شدة، فعلى ماذا يصبر الإنسان !؟


... وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)  [13]


إن الصبر رسالة يُرسلها الصابر لربه سبحانه، وكأنه يقول له: أنا أحبك، وأثق بك تمام الثقة، أنك لم تظلمني، ولم تقسُ علي، وأنك لن تتركني في البلاء دون معونة وهداية ورحمة ولطف وجبر وتيسير، وأنك لم تبتلني إلا لمصلحتي، وأنك ستعطيني بسبب صبري ودعائي أجورا عظيمة خيالية لا عدد لها ولا حصر، بسبب حسن ظني بك، وانتظاري الفرج منك وحدك...
  
... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) [14]


وكلما طال البلاء، فطال صبر العبد عليه (وهو: حبس النفس عن السخط، وحبس اللسان عن التشكي) كلما عظمت الأجور، وارتفعت الدرجات، وأوصل الله تعالى هذا العبد إلى مراتب من الجنة، والنجاة من النار لا يبلغها بعمله (إنما يبلغها بهذا الكم من عبادات قلبه التي خرجت منه وقت البلاء).



-      مثلا ( التوكل ) : يختبر الله تعالى توكلك عليه، فيعرضك لمواقف تضغطك، وقد تحتار بين طريقين: إما أن تغضب الله، أو أن تخسر أمرا مهما من أمور الدنيا.. حتى إذا ارتفعت ثقتك بربك، وتوكلت عليه بأنه لن يخذلك وأنت باحثٌ عن رضاه، وضحيت بهذا الأمر الدنيوي في سبيل أن لا تغضب ربك.. تكون قد نجحت في الاختبار، وغالبا ما يريك الله تعالى كفايته وتعويضه لك (في الدنيا) حتى يثبت إيمانك، وتعلم أن ربك أرحم من أن يترك عبده وهو متوكل عليه.


... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) [15]



-      مثلا ( التضرع وشدة الدعاء ) : فإنهما غالبا ما لا يخرجان من العبد إلا حينما يبتلى، فيبتلينا الله تعالى ليستخرج منا حالة العبودية والذل التي نكون بها بين يديه سبحانه.

" من لم يسأل الله يغضب عليه" [16]



-      مثلا ( التوبة ) : فكم يبتلينا الله تعالى ليدفعنا دفعا لنتوب من ذنب معين، أو مرض قلب معين، أو ظلم معين، وربما لم نقوَ على هذه التوبة إلا بهذا البلاء..!

-      ... الخ العبوديات الكثيرة التي يستخرجها الله تعالى من عبيده بسبب هذه البلاءات.




ويجب هنا أن نعود ونتذكر أمرا مهما:

أن تربية الله تعالى لعبيده تختلف حسب درجة إيمان كل واحد منهم، فكلما زاد إيمان العبد، كانت تربية الله تعالى له أدق، فيستخرج منه عبادات دقيقة قد لا يخرجها ممن هو أقل منه إيمانا.

ولهذا كان " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" [17]


وليس المقصود بالبلاء الشدة فحسب، إنما البلاء هو الاختبار
يقول جل في علاه:
  
... وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) [18]



فكلما زاد إيمان العبد وقربه من ربه، أراد الله تعالى من قلبه أن يكون أكثر صفاء، وأطهر من الأمراض، وأشد عبودية وذلا...



ومن أوضح الامثلة على ذلك (ولا يتسع المقام لتدبرها كما ينبغي) ابتلاءات الله تعالى لأنبيائه:



فانظر كيف ابتلى سبحانه إبراهيم عليه السلام بقتل ولده، الذي جاءه على كبر، وحُرم منه سنين حتى بلغ أشده، لأن قلب إبراهيم عليه السلام كان قد التفت إلى محبة ابنه قليلا..!


فهل محبة الابن (الطبيعية، التي لا تتجاوز الحد) لا تجوز !؟


بلى تجوز.. ومن هنا نفهم أن الناس عند الله تعالى درجات، وأن إيمانهم درجات، وابتلاء الله تعالى لهم ليطهر قلوبهم درجات..
فإبراهيم عليه السلام ليس أي أحد، إنما هو (خليل الله) والله جل في علاه يغار على قلب خليله أن يشاركه فيه أحد..!



وانظر كيف ابتلى يوسف عليه السلام بالبلاءات الكثيرة والمهينة (وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم) حتى يستخرج منه تمام التقوى والصبر وحسن الظن به، حتى قال في النهاية:



... إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ... (100) [19]



وغيرها وغيرها..


فاعلم أنه كلما زاد إيمان العبد، كلما أحب الله تعالى قربه، فطهر قلبه من مزيد من النقائص والأمراض، واستخرج منه عبوديات أعلى وأعظم من غيره، وأعانه على كل هذا، وأنزل عليه الصبر والاستعانة والسكينة التي تثبت قلبه وترفعه.

اللهم يا ربنا، أيها الحي، أيها القيوم، أيها الكريم، أيها الرحيم.. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم علمنا من دينك ما تطهر به قلوبنا بلطف، اللهم جنبنا البلاء، وجنبنا الفتن، وعاملنا بعفوك، وعاملنا بسترك، وعاملنا بحلمك، اللهم إن لم تهدنا سنضل، اللهم إن لم تثبتنا سنزيغ، اللهم إن لم ترحمنا سنهلك، اللهم لا تكلنا إلى نفوسنا طرفة عين، وتقبل منا جهدنا القليل الضعيف على قدرك العظيم سبحانك، وأدخلنا جنتك برحمتك وفضلك وعفوك وسترك بلا سابقة حساب ولا عذاب، اللهم نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم الراحيم.
وأقم الصلاة.


[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله s يبدأ بها خطبه، ويعلمها لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحح إسناده الألباني في إصلاح المساجد
[3] سورة الصافات
[4] سورة المائدة 64
[5] سورة الزمر
[6] سورة المائدة 3
[7] سورة نوح
[8] سورة الروم
[9] سورة التوبة
[10] صحيح الجامع للألباني
[11] حسنه الألباني في صحيح الترمذي
[12] سورة البقرة 286
[13] سورة آل عمران (وغيرها)
[14] سورة الزمر
[15] سورة آل عمران
[16] صحيح الترمذي للألباني
[17] صحيح الجامع للألباني
[18] سورة الأنبياء
[19] سورة يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية