~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الأحد، 5 أبريل 2015

خطب الجمعة.. التي تربي القلوب - عسى الله أن ينفع بها (15)



تابع/ لماذا يبتلينا الله؟ (ب)
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]

فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرَ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]


قد بدأنا في الخطبة الماضية بالإجابة عن هذا السؤال: لماذا يبتلينا الله !؟

وقلنا أنه سبحانه يبتلينا لأحد سببين رئيسيين: إما ليكفر عنا ذنوبنا، أو ليختبرنا فيرفع درجاتنا.

وقسمنا الذنوب التي يريد أن يكفرها عنا إلى قسمين: ذنوب جارحية وتكلمنا عنها، ونقص في شكر النعم، وكنا قد فصلنا فيها في خطب سابقة من فضل الله تعالى وحده وتسديده.


السبب الثالث الذي يبتلينا الله تعالى في الدنيا بسببه هو:
( 3) ليختبرنا فيرفع درجاتنا، عن طريق تربيته لأمراض قلوبنا وعلاجه لها.



حينما خلقنا الله تعالى منذ البداية، ابتدأنا بالنعم، وأغرق كل واحد فينا بأرزاقه الكثيرة المتواترة التي لا تُحصى، في أبداننا، وقلوبنا، وعقولنا، ونفوسنا، وقدراتنا، وأهلينا، ومن حولنا، وما حولنا... الخ، حتى تكون مُعينةً لنا على أداء اختبارنا في هذه الدنيا.


ولكن لكي تتم عملية الاختبار، كان لابد فيه من النقص، وإلا لم يصح أن يكون اختبارا ! فابتلى جل في علاه كل واحد منا ببعض النقائص القليلة (التي لا تكاد تُرى إذا ما قارناها بنعمه سبحانه..!) في نفوسنا، وقلوبنا، وفهومنا... الخ.


ومن ضمن هذه البلاءات كانت أمراض القلوب، فقد خلق سبحانه كل واحد منا وفي قلبه استعدادات لأنواع من أمراض القلوب، تختلف من إنسان لآخر، ثم أنزل لنا دينا يبين لنا الحقائق التي تكسر هذه الأمراض، وتعيننا على مجاهدتها، ثم أجرى سبحانه على كل واحد منا الأقدار التي تناسبه فتشفي أمراض قلبه هو تحديدا


ثم جعل سبحانه الجهد الذي نبذله في طلب العلم عن دينه، وفي مجاهدة أمراض قلوبنا ومحاولتنا لتزكيتها، ورضانا بأقداره التي يجريها علينا سبحانه... هي أسباب زيادة إيماننا، ورفعة درجاتنا، وتثقيل موازيننا، فننجح في اختبارنا، ويكون هذا الجهاد هو ثمن دخولنا للجنة (التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نتمتع فيها إلى الأبد، لا نسأم ولا نبأس) فله الحمد سبحانه وله الشكر.


يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) 


فأقدار الله تعالى على كل واحد منا (مهما كان هذا القدر، وإن شارك في إجرائه بشر أو غيرهم) لا تتعدى كونها: إما رسائل منه سبحانه لتفهم قلوبنا الحقائق التي يريدنا أن نفهمها، أو أدوية ناجعة يشفي بها جل في علاه مباشرة الأدواء التي تملأ قلوبنا.


ثم ينقسم الناس في تعاملهم مع أقدار الله تعالى إلى أحوال ودرجات:

-        فمن الناس من لا يصدق أن هذه الأقدار من الله (إما لعدم تصديقه بوجود الله تعالى أصلا، أو لعدم ربطه بين الله تعالى وقدرته وصفاته، وبين الأحداث التي تحدث له في الكون) فيرفضها، أو يتحداها، أو يُصر على ما به من عيوب على الرغم من التعب الذي شعر به بسببها... الخ. وهذا إن كسر الله تعالى بعض أمراض قلبه رغما عنه مع طول البلاءات وكثرتها، إلا أنه ما دام في تسخطه وتمرده وكبره واعتراضه، لا يكاد ينتفع من تربية الله تعالى له، فيبقى قلبه ممتلئا بالأمراض (التي ربما لا يعرفها ولا يراها) مادام كذلك.

-        ومن الناس من يعلم أن هذه الأقدار التي تجري له هي من الله تعالى 

   وهو يعلم عن ربه أنه الحكيم الخبير، أرحم الراحمين جل في علاه، فيؤمن أنه سبحانه لا يقدر له إلا الخير، وأنه لم يظلمه سبحانه، إنما ابتلاه بسبب ذنوبه هو ونقائصه، فابتلاه ليطهره، وليرفع درجته، فقبل ورضي بقدر الله تعالى، فربح، وفاز، وحصل على رضى الله تعالى عنه، وإرضائه له في الدنيا والآخرة (وإن لم يفهم كثيرا من تفاصيل أمراض قلبه):


قال رسول الله s : " إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ "[5]


-        وهناك من الناس من حالهم أفضل من ذلك 

   وهم الذين طلبوا تفاصيل العلم عن دين الله تعالى (وخاصة العلم بالله، وبأنفسنا، وبحقائق الدنيا والآخرة)
فعرفوا تفاصيل أمراض قلوبهم، وعرفوا كيف يعاملهم الله تعالى في كل موقف، وفي كل حدث، بما يتناسب تماما مع هذه الأمراض..
وكيف أنه سبحانه يكسر ما في قلوبهم من كبرٍ وعلوٍ وإرادةٍ للدنيا... رغما عنهم !! الشيء الذي لم يكونوا يستطيعونه لوحدهم مهما تعلموا وجاهدوا..
هؤلاء الذين لا يحتارون كثيرا في فهم أقدار ربهم عليهم، ولا يتفاجؤون من ابتلائه لهم، ولا يجزعون من إنقاصه عليهم، فقد فُتحت بصائرهم (بالعلم) وصارت الحياة بالنسبة لهم واضحةٌ بسيطة، كما علّمنا عنها خالقها في كتابه جل في علاه.

كان رسول الله s يقول في دعائه: " اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها" [6]

إن الله تعالى بخبرته في قلوبنا، يجري على كل واحد منا الأقدار الصغيرة والكبيرة التي تكون سببا في شفاء قلبه من أمراضه، فاعلم أن القدر التي يأتيك من الله قد أتاك تماما كما يناسبك، تماما..!


الكلمة التي سمعتها، والرزق الذي فقدته، ومحبة زوجك التي رُزقتها، وابتسامة فلان لك اليوم، وتعسير معاملتك في المكان الفلاني.... الخ.

يقول العظيم القيوم سبحانه:


وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) [7]



وحتى يتضح الأمر أكثر فلنتعرف على بعض أمراض قلوبنا، لندرك كيف أن الله تعالى يكشفها لنا ويشفيها سبحانه بأقداره علينا.


-   أولا: الكبر: 

  إن الكبر من أخطر الأمراض التي تودي بصاحبها وتهلكه في الدنيا والآخرة، هو الذنب الذي جعل إبليس يخرج من رحمة الله تعالى إلى الأبد !! والكبر درجات وأنواع.


قال s : " لا يدخلُ الجنَّةَ مَن كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ " [8]


فالذي في قلبه كبر: إما أن يخرجه كبره من دائرة الإسلام – والعياذ بالله – أو أن يكون أقل من ذلك، فهذا الثاني موعود بأن لا يدخل الجنة وفي قلبه أدنى مقدار من هذا الكبر، حتى يدخل النار أولا !! فتطهره النار مما بقي في قلبه من كبر.. ثم يدخل الجنة بعد ذلك.

فما هي أنواع الكبر !؟

كما قال الصادق المصدوق s : " الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ النّاس " [9]



إذن الكبر نوعان رئيسيان، تندرج تحتهما أنواع كثيرة


النوع الأول: بطر الحق: وهو ردّ الحق، رفضه، الإعراض عنه بسبب شعور (هوى) مثل أن يأتيني ممن هو أقل مني في المستوى الاجتماعي، أو ممن هو أصغر مني سنا، أو ممن بيني وبينه مشاحنة، أو ممن لا أحب أن يتفوق علي، أو ممن أظن فيه أنه يريد أن يهينني أو يتحداني... الخ.

فإذا سخّر الله المنان سبحانه لك أحدا يدلك على كلامٍ حق (إن كان في موضوعٍ صغير أو كبير) فرددت هذا الحق (بقلبك أو بلسانك) بسبب هواك، فإن فيك من الكبر بمقدار ردك لهذا الحق.


والنوع الثاني: غمط الناس: أي احتقارهم، شعوري بأنني أفضل من أحد منهم، وأنه أقل مكانة مني، بعلمي، بذكائي، بشخصيتي، بمالي، بقوتي، بزوجي، بأبنائي، بحسَبي، بشهادتي... الخ.
هذا الشعور يظهر جليا حينما أتعامل مع هذا الأحد الذي أشعر بأنني أفضل منه في موقفٍ ما، فأعطي نفسي من الحقوق في هذا الموقف أكثر مما أعطيه، ويكون تفكيري في واجبه اتجاهي، ويغفل عقلي عن واجبي أنا اتجاهه..

مثلا: حينما أشعر بأنني أعلى درجة من الخادم الذي عندي، فإنني أقبل فكرة أن أمزح معه مزاحا ثقيلا فيه نوع من السخرية، ولكن لا يمكن أن أقبل أن يمزح هو معي مزاحا كهذا !

مثلا: حينما أشعر أنني أذكى من زملائي، فإنني أعطي نفسي الحق بأن أتصدر المجلس وأملي عليهم أفكاري وإبداعاتي، ولكنني لا أرضى بأن يتصدر المجلس أحد منهم وأكون أنا ضمن المستمعين !!

مثلا: حينما أشعر أنني أفضل من زوجي، فإن جُلّ تفكيري يكون في أدائها لحقي عليها، وكيف أنها مقصرة في أداء هذا الحق، ولا يخطر ببالي ما لها علي من حقوق، وكيف أنني مقصر في حقها...!!


مثلا: حينما أشعر بأنني أفضل من المسلمين العوام بسبب ما يسّره الله لي من علم، وكأن لدي نوع اطمئنان بأنني سأنجو يوم القيامة وهم لن ينجو! فأقبل أن أنصحهم بأي طريقة كانت لشعوري بأنهم ملزمون باتباعي وأخذ كلامي، وأنزعج إذا انتقدني أحد منهم أو بين لي خطأ عندي في مشاعري أو أسلوبي... الخ


إن أمثلة الكبر في قلوبنا لا تنتهي، ولكن هذه مجرد إشارات، وعلى كل واحد منا أن يبحث في نفسه عن أصل هذا المرض الخطير، ثم يجتهد في مجاهدته.

فمن رحمة الله تعالى بنا، أنه لم يعلمنا في دينه كيف نتخلص من الكبر فحسب!
إنما هو جل في علاه من تكفل بأن يجري على كل واحد منا الأقدار الصغيرة والكبيرة التي تفعل معه أمران:

1-  تكشف له مرض قلبه
2-  تذيب هذا المرض بالتدريج حتى تخرجه

فمثلا: تجد من لديه كبر بسبب شخصيته ونفوذه، لا يزال الله تعالى يكسره، يضعه في مواقف بسيطة (في مدرسة أبنائه، في وزارة من الوزارات، في حل مشكلة في عائلته...) فيحاول استخدام شخصيته ونفوذه لتسيير هذا الموقف.. دون جدوى ! وقد يزداد الموقف تعقيدا، ويصل إلى مرحلة يبدأ يغضب فيها ويثور، وقد يهدد ويرفع صوته !! لأن (إلهه!!) الذي يُعظّمه (وهو نفسه) يُكسر في هذه اللحظة، ويوقفه الله تعالى أمام نفسه، أنه عبد ضعيف فقير، لا يستطيع تسيير الدنيا على مزاجه، إنما الدنيا يُسيّرها من خلقها سبحانه كما يشاء بحكمته وعزته، وإن ترك عبيده يطغون فيها لفترة بسبب حلمه عليهم، فإنه ليس غافلا عنهم، ولا مشغول عن وضع كل واحد منهم في مكانه الذي يستحقه.

مثلا: من لديه تكبر عن قبول الحق من شخص معين، قد ترى أن الله تعالى يربيه بأن يجعل ذلك الشخص يوافق الصواب في كثير من المواقف، وكلما رد الحق منه أظهره الله تعالى، ورفع مكانة ذاك، وأظهر الحق الذي عنده أمام الناس... حتى يوصل لك رسالة: لست أنت من تختار الذي يفتح الله عليه بالهداية أولا، إنما الله تعالى يختار من عبيده الأكثر تواضعا وشكرا له، فلا تحاول الهروب من ذلك، فإما أن تقبل الحق الذي يأتيك منه، أو أن تهلك نفسك بالإعراض عنه.

مثلا: من لديه تكبر على الناس بما معه من علم شرعي، ويشعر بأنه أفضل منهم، وأنه هو الذي سينجو، لا يزال الله تعالى يربيه بأن يُريه من هم أعلم منه، وأعبد منه، وأورع منه، بل ويجد زوجته أكثر تقوى لله منه، وأبناءه أكثر فهما للحقائق منه، وفلان الأقل منه علما قد فتح الله له قلوب الناس يأخذون الحق منه أكثر منه... حتى ينتبه إلى أن في قلبه كارثة لابد من أن يخلصه منها، قبل أن يندم في الدنيا والآخرة.

وهكذا...

يربي الله تعالى عبيده بالأقدار، والمواقف، والأحداث، والأرزاق، وسلب الأرزاق... بما يلائم المرض الذي فيهم، فإذا رأيت دقيق فعل الله تعالى معك، وعلمت أن الذي أجرى هذا الحدث عليك هو "الله!!" جل في علاه، بدأت تنتفع من هذا القدر بقوة، وهدأت نفسك، ولم تعد ترمي باللوم والغضب على فلان أو فلان.

كما جاء في الحديث الضعيف (الذي معناه صحيح)

" إنَّ من ضَعْفِ اليَقِينِ أن تُرْضِيَ الناسَ بسَخَطِ اللهِ تعالى، وأن تَحْمَدَهُم على رِزْقِ اللهِ تعالى، وأن تَذُمَّهُم على ما لم يُؤْتِكَ اللهُ تعالى، إنَّ رِزْقَ اللهِ لا يَجُرُّهُ إليكَ حِرْصُ حَرِيصٍ ولا يَرُدُّهُ كَرَاهَةُ كارِهٍ، وإنَّ اللهَ بحِكْمَتِهِ وجَلالِهِ جعل الرَّوْحَ والفَرَجَ في الرِّضَا واليَقِينِ، وجعل الهَمَّ والحَزَنَ في الشكِّ والسُّخْطِ " [10]



أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:


-   إرادة العلو: 

  هذا المرض يعني: الرغبة الشديدة والمستمرة في قلبي لأكون متميزا عن إخواني، أفضل منهم، أعلى منهم، بشهادة، بجمال، بشخصية، بتأثير، بشيء جديد لم يفعله أحد من قبلي... الخ.

يقول ربي العظيم سبحانه:


تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) [11]


فقد ترى الله تعالى يربي هذا الذي يريد التميز والعلو، بأنه كلما أراد أن يتميز في أمر، وضع الله أمامه من هو أعلى منه فيه، وكلما أراد أن يعلو بنجاحٍ ما، رفع الله أمامه من هو أنجح منه فيه... وغيرها وغيرها.


-   العُجب: 

   وهو رؤية الإنسان لنعمةٍ عنده بالإعجاب والاستحسان، بحيث يظن أنه رفيع المقام عند ربه بسبب هذه النعمة التي عنده ( إن كانت علما، أو ذكاء، أو عبادات جارحية، أو أخلاق رزقه الله تعالى إياها... الخ )

Ÿ

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) [12]


قد يسلب الله تعالى من العبد هذه النعمة التي أعجب بها وتفاخر بها على الناس بقلبه، أو يبتليه بذنوبٍ لم يكن يعملها، حتى يعلم حقيقة نفسه، وأنه مساوٍ، بل أقل من كل هؤلاء الناس الذين ظن أنه أفضل منهم عند الله بسبب هذه النعمة !!




-   نسبة النعمة لغير الله: 


  وهي ميل القلب إلى محبة إنسان، أو قانون، أو جماعة، أو نظام معين، أو دواء، أو تكنلوجيا... لشعوره بأنه هو السبب في وصول النعمة الفلانية إليه، أو انتفاعه بالنعمة الفلانية.

يقول الملك القهار سبحانه:


قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) [13]




ويقول جل في علاه على لسان إبراهيم s :


الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) [14]



فكم يُرينا الله تعالى ضعفنا، وضعف كل هؤلاء الناس، وجهلهم، وعجزهم، وخطأهم، كم يُرينا أن ثقتهم الموهومة بأنفسهم تأتي في مواقف تافهة وتخذلهم وتخذلني، حتى أعلم أنهم في النهاية عبيد، لا يملكون بأنفسهم لي نفعا ولا ضرا..!


اللهم طهر قلوبنا بلطف، اللهم رضنا بقضائك، اللهم رضنا عنك، اللهم بصرنا بتربيتك لنا، وانفعنا بها، واشرح لها صدورنا، وثبتنا على الحق الذي يرضيك، ربنا عباد ضعفاء مساكين، لا نستطيع إلا الدعاء وبذل الجهد، فاهدنا، وسددنا، وأعنا، وبارك لنا، ويسر لنا، واعف عن عظيم سوئنا وتقصيرنا، واغفر لنا وارحمنا، واجعل اللهم برحمتك خير أيامنا يوم لقائك، نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم الراحيم.

وأقم الصلاة.


[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله s يبدأ بها خطبه، ويعلمها لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحح إسناده الألباني في إصلاح المساجد
[3] كما سبق شرحه في الفصل الأول من هذا الكتاب (التهيئة)
[4] سورة الشعراء 88 - 89
[5] صحيح الترمذي للألباني
[6] صحيح مسلم
[7] سورة الشورى
[8] صحيح مسلم
[9] الحديث السابق
[10] ضعيف الجامع للألباني
[11] سورة القصص
[12] سورة الكهف
[13] سورة الرعد
[14] سورة الشعراء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية