~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الأحد، 8 مارس 2015

خطب الجمعة.. التي تربي القلوب - عسى الله أن ينفع بها (13)



تابع / إما شاكرا وإما كفورا (د) الأخير



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]

فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرَ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]


هذه هي الخطبة الأخيرة بإذن الله تعالى في سلسلة (إما شاكرا.. وإما كفورا)

ولازلنا نجيب عن السؤال الجوهري، الذي هو الغاية من فهم كل هذا الموضوع، وهو:
كيف أكون شاكرا ؟
كيف أشكر الله تعالى على نعمه كما ينبغي !؟

وقلنا أن شكر النعم ينقسم إلى 3 أجزاء (شكرٌ بالقلب، وشكرٌ باللسان، وشكرٌ بالجوارح)

تكلمنا في الخطبة الماضية عن شكر القلب (وهو أهمهم وأولهم) والآن نتكلم بعون الله تعالى عن:


الجزء الثاني من أجزاء شكر النعم : وهو شكرها باللسان:

يقول الملك سبحانه:

{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [3]

كثير من الناس يسيء فهم هذه الآية، فيظن (وما أبعد هذا الظن) أن المقصود بـ { وأما بنعمة ربك فحدث } أي أظهر نعمتك على الناس، وتباهى بها، وافخر بها عليهم.


فما هو معنى هذه الآية ؟ كيف أحدث الناس  بنعمة الله ؟ كيف أشكر الله تعالى بلساني ؟

-      أولا: أن أثني على ربي سبحانه في كل وقت، أمام كل أحد، أنه وحده الذي أعطانا كذا وكذا وكذا وكذا، وأنه صاحب المنة وحده، وأنه أعطانا ما لا نستحق، وأنه منان وكريم وجواد وعفو ولطيف... كلما ذُكِرت أمامي نعمة، أرجع قلبي وقلوب من حولي إلى أنها محض عطاء من الملك وحده سبحانه، ولولا رزقه لما أتت جميع أسباب الدنيا بها (فلم يعطنا هذه النعمة إلا الله، ولولا الله لما تيسر الأمر، والله هو الذي سخر لنا فلان أو فلان... الخ)

-      ثانيا: أن أحدّث الناس بما يُحسّن ظنهم بربهم، أذكرهم بأنه جل في علاه قد أعطاهم ما يناسبهم ليختبرهم به، وسلب منهم ما لا يناسبهم ليختبر رضاهم وصبرهم وثقتهم به، وأنه الحكيم، الخبير، الذي يعلم ما يناسب كل واحد من عبيده، ويدبر أموره بما يناسبه، لينجح في الاختبار فيدخل جنته وينجو من ناره. فالثناء على الله تعالى وصفاته وأفعاله وأقداره وشرعه، جزء من شكره سبحانه على كل هذه النعم علينا.

-      ثالثا: أتحاور مع من حولي في البحث عن حكمة الله في أقداره علينا، أو على من حولنا، ومناسبة هذه الأقدار لأمراض قلوبنا، أو نقص جوارحنا، فإننا إذا رأينا حكمته بأعيننا، ازدادت قلوبنا يقينا وثقة وتوكلا واطمئنانا لأفعاله سبحانه، فازددنا له محبة وازددنا له شكرا.

-      رابعا: أن أكثر من عبادات اللسان: الحمد والشكر وتلاوة القرآن والتهليل والتسبيح والتمجيد والتعظيم له سبحانه، والأمر بالمعروف كما يحب الله ويرضى، والنهي عن المنكر كما يحب الله تعالى ويرضى، وإدخال السرور على المسلمين... فإن من شكري لله على نعمة اللسان أن أستخدمه في العبادات التي يحبها هو سبحانه.

-      خامسا: أن ألزم الدعاء، فما دمت قد علمت أن النعم التي أنا فيها من المل العظيم وحده، وجب علي أن أديم سؤاله أن يحفظ نعمته علي، وأن يسددني لأستخدمها كما يحب هو ويرضى، وأن يجعلها سببا لفرحتي يوم أقف بين يديه، وأن لا يسلبها مني بتقصيري وذنبي ومرض قلبي...

-      ... وغيرها وغيرها من عبوديات اللسان التي تعتبر شكرا لله تعالى على نعمته.




الجزء الثالث من أجزاء شكر النعم : هو شكرها بالجوارح:


وهذا آخر مطاف الشكر، ونتيجته. فإن كثيرا ممن لم يدركوا حقيقة الشكر، يحاولون جاهدين أن يشكروا الله تعالى بجوارحهم، لكن قلوبهم مليئة بضد هذا الشكر (من غفلة، أو بطر، أو سوء ظن بالله، أو كفر بالنعمة، أو توكل على الذات.... الخ) فلنعلم أن شكر القلب هو مدار الأمر، وأن قلوبنا هي محل نظر الرب

" إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم.. ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " [4]


فبعد أن ينصلح القلب وينصلح اللسان، يأتي الكلام عن إصلاح الجوارح. فيقول الرب المهيمن جل جلاله:

{ ...اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [5]


فكيف أشكر الله تعالى بجوارحي ؟

-      أولا: أن أحافظ عليها، ولا أتعامل معها بسفه، وأجتهد أن لا أستخدمها بمعصية ربي، فإذا ضعفت وفعلت رجعت إليه سريعا تائبا معتذرا سائلا إياه أن لا يسلبها مني بسوء تعاملي معها.

فحينما ندرك أن الوقت نعمة، والأمن نعمة، والمال نعمة، والصحة نعمة، والزوج نعمة، والأبناء نعمة، والمدارس نعمة، والوظائف نعمة....
ندرك أن كل تعامل منا مع هذه النعم بسفه، ولامبالاة، وتضييع، وهوى، دون علم، ودون ضبط لتصرفاتنا، ودون انتفاع، ودون حفظ للأمانة، ودون أداء للحقوق......
سبب لأن تسلب منه هذه النعمة التي أساء لها، أو أساء استخدامها، أو أساء تأدية حقها الذي سيسأله الله تعالى عنه...

وهذا فيه من التفاصيل ما يحتاج إلى علم، وكثير تفكر.


-      ثانيا: أن أستخدمها في طاعته قدر استطاعتي.

-      ثالثا: لابد وأن ندرك أن جميع العبادات التي يحبها الله تعالى مني، من فعل أوامر، أو طلب علم، أو ترك نواهي، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو إحسان إلى الخلق... الخ
هي في الحقيقة تعبير جوارحي عن شكري لهذا الإله العظيم الذي يغرقني بنعمه سبحانه.

-      ومن أهم شكري على النعم بجوارحي (أن أعطي منها من حُرِم منها، أو أستخدمها في خدمتهم، أو أشاركهم فيها) وكلٌّ بحسب موقعه، ووضعه، والنعمة التي رزقه الله تعالى إياها، ورغبته في أن لا يحرم منها، ولا يشدد عليه الحساب بسببها حين يلقى ربه.

فالذي عنده سيارة، يشكر الله تعالى بإيصال من لا يملكونها (لدروس العلم، أو لمصالحهم..)
والذي عنده خادم، يشكر الله تعالى بإرسالة أحيانا لمن يحتاجونه، من جيران أو أهل...
والذي عنده علم في تخصص ما، يشكر الله تعالى بتعليم الطلبة الذين يحتاجونه (لوجه الله إن استطاع أن يتعفف، أو بسعر رمزي لمن احتاجه) من أهل أو جيران أو معارف...
والذي يسهل عليه إتقان عمله، أو التعامل مع الحاسوب، أو حسن التعامل مع الناس.. فاشكر الله تعالى بسد ثغرات زملائك في العمل، الذين لم يعطهم الله تعالى مثل ما أعطاك، وساعدهم، وعلمهم، وخذ بأيديهم...
فلا نتعامل مع الناس بالمسطرة، ونظن أننا نتعامل بالعدل !

إنما العدل.. أن تشارك الناس في النعم التي أعطاك الله تعالى إياها دون استحقاق منك، ليرى ماذا ستفعل فيها !؟

قال رسول الله s : " إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرملوا في الغزوِ أو قلَّ طعامُ عيالِهم بالمدينةِ جمعوا ما كانَ عندَهم في ثوبٍ واحدٍ، ثمَّ اقتسموهُ بينَهم في إناءٍ واحدٍ بالسَّويَّةِ، فَهم منِّي وأنا منْهم " [6]

" فعَلَينا بطلب العلم.. ودوام طلب العلم..
حتى نعلم كيف يكون شكر النعم بالجوارح بالطريقة التي ترضي الله تعالى عنا
ثم نبذل الجهد في العمل به "



أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:

سؤال: بعد كل هذا التفصيل الذي هو حقيقة مدار اختبارنا كله

هل نستطيع أن نحقق شكر الله تعالى لوحدنا !؟

أبدا !!  إنما بالاستعانة به هو سبحانه {إياك نعبد وإياك نستعين}

يقول الملك المستعان سبحانه :
{ ... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ...} [7]


ماذا نفعل لنجبر النقص في شكر الله تعالى على نعمه ؟

1-                      أن أعامله بالذل والخجل سبحانه، والاعتراف بقلبي: بدوام تقصيري، وبتتابع إحسانه وأفضاله علي جل في علاه.
2-                      أن أبذل جهدي في تحقيق الشكر الذي تعلمناه (بتفاصيله) ما استطعت.
3-                      أن أكثر الاستغفار والتوبة (حتى تجبر تقصيري وذنبي)
4-                      أن أديم سؤاله بما أعلمه من صفاته هو، أن يعاملني بعفوه وشكره وإحسانه في ديني ودنياي وآخرتي، وأن لا يعاملني أبدا بما أستحق أنا!



اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم املأ قلوبنا بحسن عبوديتك، اللهم اجعل الآخرة همنا، اللهم اجعل رضاك همنا، اللهم أخرج الدنيا من قلوبنا بلطفك، اللهم بصرنا وأصلحنا، واشرح صدورنا للحق، ويسر لنا اتباعه، وأعنا عليه، وثبتنا عليه حتى نلقاك، وتقبله منا على قدر كرمك أنت وإحسانك
فقد جئناك ببضاعة مزجاة.. فأحسن إلينا، واقبل منا، واعف عنا
وأحسن خواتيمنا، واجعل خير أيامنا يوم لقائك.. نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم الراحيم.

وأقم الصلاة.


[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله s يبدأ بها خطبه، ويعلمها لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحح إسناده الألباني في إصلاح المساجد
[3] سورة الضحى 11
[4] صحيح مسلك
[5] سورة سبأ 13
[6] صحيح البخاري
[7] سورة الأحقاف 15

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية