~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الجمعة، 6 مارس 2015

خطب الجمعة.. التي تربي القلوب - عسى الله أن ينفع بها (12)



تابع / إما شاكرا وإما كفورا (جـ)



 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]

فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرَ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]


لا زلنا في الحديث عن موضوعٍ الشكر، وسلسلة خطبنا بعنوان (إما شاكرا.. وإما كفورا)

ووصلنا إلى السؤال الجوهري، الذي هو الغاية من فهم كل هذا الموضوع، وهو:
كيف أكون شاكرا ؟
كيف أشكر الله تعالى على نعمه كما ينبغي !؟

والناس في هذا طبعا درجات، فعلى قدر تحقيق الإنسان للشكر، على قدر ما يُحصّل من الثمرات التي ذكرناها في الخطبتين الماضيتين، وعلى قدر ما يبتعد عن الكفر ونتائجه في الدنيا والآخرة.

شكر النعم ينقسم إلى 3 أجزاء (شكرٌ بالقلب، وشكرٌ باللسان، وشكرٌ بالجوارح)


الجزء الأول والأهم لتحقيق الشكر : هو شكر القلب.

بأن يوقن قلبي أن { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [3]

إذا كان قلبي موقنا بأن ما بي من نعمة فمن الله، فلابد وأن أجد في قلبي مشاعر (عبوديات) كثيرة، إذا لم أشعر بها في قلبي، لم يكن قلبي شاكرا لله تعالى كما ينبغي، فلنستعرض هذه المشاعر (أو العبوديات) لنغسل بها قلوبنا، لعل الله تعالى أن يُحول قلوبنا إلى قلوبٍ شاكرة.

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      أولا: يجب أن أتبصر بنِعَمِ الله علي، يجب أن أراها، بتفاصيلها، ولا أحدد كلمة "النعم" بصورة معينة، حتى إذا أعطاني الله تعالى هذه الصورة شكرته، وإذا أغرقني بغيرها دونها أتّهمه بالبخل سبحانه معي وهو في الحقيقة يغرقني بأصناف النعم!

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      لابد وأن أشعر أن كل نعمة أنا بها، بتفاصيلها، هي من الله تعالى وحده ( فهي ليست مني، ولا من والداي، ولا من زوجي، ولا من بلدي، ولا من حكومتي، ولا من الطبيب، ولا من التكنلوجيا، ولا من شخصيتي، ولا من ذكائي، ولا من جمالي، ولا من طيبتي، ولا من علمي، ولا من القوانين الدولية.... ومن باب أولى: ولا من الطاقة، ولا الأبراج، ولا النجوم، ولا الشمس، ولا الإرادة، ولا المجتمع..... الخ الخ الخ )
فإذا نسبت النعمة لغير الله.. فكيف سأشكر الله تعالى !؟ وهذا يحتاج إلى دروس كثيرة، وكثرة تفكر وتدبر، ومجاهدة للقلب وإرجاعه إلى حقائق الدنيا..

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      يجب أن أشعر وأنا موقن، أنني لم أستحق هذه النعمة حتى يعطيني الله تعالى إياها، ولا أنه أعطاني إياها لأنني مميز عنده. إنما هي محض إحسان ومِنّةٌ ومُعافاة منه سبحانه على عبد من عبيده. أما حين أشعر أنني أستحقها (لسبب أو لآخر) فكيف أشكر الله تعالى عليها، إنما في الحقيقة أنا أشكر نفسي !!

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      يجب أن أدرك تماما أن الملك جل في علاه قد أعطاني هذه النعم كتكليف، وليس تشريف، وأنه أودعها عندي لكي أستخدمها بالطريقة التي علمني إياها، وإلا سأحاسب عليها أكثر ممن لم يعطه هذه النعمة.
{ ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم}
فإذا لم أدرك هذه الحقيقة، لن أجد في قلبي همًّا لأشكر الله تعالى عليها، لأنني غير منتبه إلى أنني إن لم أشكره عليها.. فسأحاسب.

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      فلا مجال أبدا لأعجب في هذه النعم، ولا أفخر بها على أحد، ولا أشعر بأنني أفضل أو أرفع أو أعلى منهم، لسببين: أولا: أنها مزيد مسؤولية علي، وثانيا: أنني لم أستحق منها شيئا.

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      سأجد فيه خوفا من أن يعاقبني ربي سبحانه على ذنوبي وتقصيري فيسلب مني هذه النعم التي لم أستحقها أصلا، فأنا دائم الحذر من إغضابه، ودائم التوسل إليه أن لا يحرمني إياها.

نرجع ونُذكر.. أن هذه المشاعر التي نصفها، هي الدليل على أن قلبي قائمٌ بشكر الله تعالى على نعمه، فإذا لم أجد في قلبي هذه المشاعر كان شكري مجرد ادعاء، وعلى قدر مافي قلبي من هذه المشاعر، على قدر ما يكون محققا للشكر...
فقلوبنا بحاجة إلى همٍّ منا، وتركيز، وتفكر، وعلم، ومجاهدة.. حتى نلقى الله تعالى بقلوب شاكرة سليمة.



أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:

حين يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      سأجد فيه لهفة لاستخدام هذه النعم في عبادة الله تعالى أو خدمة عبيده، حتى لا يسلبها مني بسبب استئثاري بها بغير حق. فكما اتفقنا، أنا لم أُعطها لاستحقاقي لها، إنما أعطيتها لأستخدمها في طاعة الله (أمانة، عاريّة) إن كانت نعماً دينية أو نعما دنيوية
وهنا تنبيه: لا يظن من أُعطي الدين أو العلم أن الله يحبه، إنما حُمّل تيسير الدين والعلم أمانةً ليستخدمها في طاعته، لا ليفخر بها على الناس، فالعبرة بالخواتيم، فمن مات على الدين والإيمان عُلم أن الله يحبه، أما قبل ذلك فهو مغموس في الاختبار، وسيُسأل عنه أكثر من غيره.

حين يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      سأجد فيه شفقةً ورحمةً على من لم ينعم الله تعالى عليهم بهذه النعمة، وأود لو عوضتهم عنها بأي طريقة أستطيعها. لأن قلبي وصل إلى حال العبودية، التي يعلم بها أنه ليس أفضل من أي أحد من خلق الله تعالى، فكما أن الله تعالى متعني بالنعمة (بلا استحقاق مني ولا ميزة) يتحسر قلبي على من حرم منها، وأشعر برغبة لتعويضهم عن ذلك ما استطعت.

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      لا ينبغي لي أتعلق بها بحد ذاتها (خاصة إذا كانت نعمة دنيوية) لأنني أعلم أن الله تعالى هو الذي نفعني بها وليست هي بحد ذاتها، ولأنني أعلم أنه جل في علاه قد فطر الدنيا على أن النعم فيها تزول.

{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا...} [4]

فأتعلق بربي الذي أعطاني أياها، وهو قادر إذا سلبها مني لحكمة أن يبدلني خيرا منها. أما إذا تعلقت بها بحد ذاتها، فسأكون شاكرا للنعمة وليس لله جل في علاه.

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      لابد وأن أوقن أن ربي الحكيم الخبير قد أعطاني ما يناسب اختباري رحمةً بي، والنعم التي لم يعطني إياها إن استمر حرماني منها رغم الدعاء وبذل الأسباب، أعلم أنها لا تناسب قلبي ولا اختباري، وأن مكانتي في الآخرة أفضل وأعظم وأنجى لي من دونها. فثقتي بالله تعالى وحسن ظني به.. شكر.

حين يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      لا أطمع في النعم (الدنيوية) التي لم يعطني خالقي إياها، ولا أحسد عليها أحدا، لأنني أدرك أن مزيدا من النعم يعني مزيدا من التكليف، وأنا يكفيني النعم التي تغرقني وأنا عاجز عن شكره سبحانه عليها. أما النعم الدينية فأظل أطمع بكرم ربي فيها حتى ألقاه.

حتى يكون قلبي شاكرا للنعم:

-      لابد وأن أعذر بقلبي إخوتي المسلمين عند خطئهم وتقصيرهم في حقي، أو في حقوق من حولي، خاصة الذين حرموا من بعض النعم التي أعطاني ربي سبحانه إياها، فقد يكون سلوكهم الذي لم يعجبني ناتج بسبب نقص تلك النعم عندهم، وابتلاءهم الذي لم أجربه، فلا أحاسبهم كما أحاسب نفسي وأنا مُنعمٌ علي ومُعافى (كالخدم، أو من تربى ببيئة صعبة، أو من ابتلي بنقص فهم أو غيره... الخ)


-      ... وغيرها وغيرها من المشاعر التي تنتج بشكل تلقائي حين يصل القلب إلى حال العبودية والشكر، فمن وجد في قلبه نقصا في هذه المشاعر، فليعلم أن شكر قلبه ناقص بهذا القدر، وليعمل على تعلم دينه، تعلم التوحيد، حتى يصلح قلبه، وتصلح جوارحه.


نكمل في الخطبة القادمة شكر اللسان وشكر الجوارح بإذن الله تعالى وتيسيره.


ربِّ أَعِنِّا ولاَ تُعِن علينا، وانصُرنا ولاَ تنصر علينا، وامْكُر لنا ولاَ تمْكُر علينا، واهدنا ويسِّرِ الْهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.
ربِّ اجعلنا لَكَ شَكَّارين، لَكَ ذَكَّارين، لَكَ رَهَّابين، لَكَ مطواعين، لَكَ مخبتين، إليْكَ أوَّاهين منيبين.
ربِّ تقبَّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبِّت حجَّتنا، وسدِّد ألسنتنا، واهدِ قلوبنا، واسلُل سخيمةَ صدورنا
بفضلك وإحسانك، نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم الراحيم.

وأقم الصلاة.


[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله s يبدأ بها خطبه، ويعلمها لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحح إسناده الألباني في إصلاح المساجد
[3] سورة النحل 53
[4] سورة الحديد 20

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية