~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الخميس، 5 مارس 2015

خطب الجمعة.. التي تربي القلوب - عسى الله أن ينفع بها (11)



تابع / إما شاكرا وإما كفورا (ب)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد: [1]

فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرَ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]


قد بدأنا في الخطبة الماضية في الكلام عن موضوعٍ بعنوان (إما شاكرا.. وإما كفورا)


وتدبرنا تدبرا يسيرا فواتح سورة الإنسان التي يقول الله تعالى فيها:


{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[3]


ثم فهمنا المعنى العام للشكر، والمعنى العام للكفر.

وانتهينا إلى ذكر نتيجة من نتائج الشكر والكفر في الدنيا والآخرة حين تعلمنا من قصة سبأ

أن عدم شكر النعم كما ينبغي، سبب لزوالها في الدنيا.


ونكمل اليوم بإذن الله تعالى ما وعد الله تعالى به الشاكر والكافر بنعمه في الدنيا والآخرة.



( 2) عدم الانشغال بشكر النعم في الدنيا سبب لطول الحساب والعقوبة يوم القيامة:

يقول ربي جل جلاله:
{ثُمّ لتُسألُنّ يومَئِذٍ عن النّعيم} [4]


إن سؤال الملك لنا سبحانه يوم القيامة سيكون على قدر النعم، فكلما زادت النعم عند العبد كان سؤال الله تعالى له أكثر وأشد وأطول.


عن أبي هريرة d عن النبي s قال: "يدخلُ فقراءُ المسلِمينَ الجنةَ قَبلَ الأغنياءِ بنِصفِ يومٍ وهُو خمسُمائةِ عامٍ" [5]


وعن جابر بن عبد الله d عن رسول الله s قال: "ليودَنَّ أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ أنَّ جلودَهم قُرضت بالمقاريضِ، مما يروْنَ من ثوابِ أهلِ البلاءِ" [6]

فإن المؤمن المبتلى والفقير، قد عَبَدَ الله تعالى وأطاعه في الدنيا وهو يعاني، وهو يتألم رغما عنه، ومع ذلك رضي وصبر.

فدخل الجنة قبل الغني والمعافى ب500 عام، زمنٌ مهول، وفترةٌ عصيبة، كيف سيكون حالنا وقتها ونحن تحت الشمس، غارقون في العرق، والخوف، وصعوبة الموقف!؟

كما أنه حصل على ثوابٍ عظيم، يتمنى المعافى وقتها لو أن جلده قرض بالمقاريض ليحصل عليه.


طيب..

إذا اختار الله الحكيم لي أن أكون في الدنيا غنياً معافى، فهل هذا يعني أنه قد كتب علي إلزاما أن أتعرض لهذه الشدة وطول الحساب حين ألقاه !؟ ما الذي كان يجب علي أن أفعله في الدنيا لأنجو من شدة هذا الموقف وطول هذا السؤال !؟

كان يجب علي أن أتعب وأبذل الجهد في شكر النعم باختياري، حتى أتساوى مع المبتلى في التعب والمعاناة.


يقول الملك العدل تعالى { مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا } النساء 147


يبين الله تعالى لنا في هذه الآية، أنه ليس من غاياته سبحانه أن يعذبنا، ولا أن يعاقبنا، إنما أراد منا أمران:
الإيمان، والشكر

فعلى قدر تحقيقنا لهما، ننجو من العذاب والعقاب في الدنيا وفي البرزخ وفي يوم القيامة.


فنعلم من هذا.. ولننتبه.. أن الله تعالى لا يُخادَع، إنما الحساب لديه بالذرة، بالذرة من عمل القلب وعمل الجوارح..

فحتى يتساوى المعافى والغني مع ذاك الفقير المبتلى، لابد وأن يبذل في شكره من التعب والعطاء مثل ما بذله ذلك المبتلى في الصبر والرضى...

فنعلم من هذا أن الشكر ليس كلمة باللسان، إنما فيه من التفاصيل التي أسأل الله أن يفتح علينا في بيانها، ثم يقوينا ويعيننا على العمل بها.




( 3) ما العطاءات العظيمة التي وعد الله تعالى بها الشاكر في الدنيا والآخرة؟

بالإضافة إلى ما ذكرناه.. أن الشاكر سينجي نفسه من سلب النعمة في الدنيا، ومن طول الحساب يوم القيامة ( ووالله أن هذا كان كافيا !! )


إلا أن الشكور العظيم حينما يُعطي يُعطي على قدره ..!

يقول جل في علاه:
  
{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [7]

ففوق نجاة الشاكر من العقوبات بسبب شكره، وعده المحسن المنان بأنه على قدر شكره، سيزيده الله تعالى، يزيده من ماذا !!؟

من كل خير يملكه سبحانه في خزائنه (في دينه، في دنياه، في أهله، في آخرته...) عطايا الله تعالى لا حد لها..



وماذا سيعطي الله سبحانه الشاكر أيضا !؟

يقول جل وعلا:
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ} [8]

ينجي الله الشاكر من المهالك في الدنيا بسبب شكره..

وماذا أيضا !؟ حتى تشرئب نفوسنا الضعيفة لشكره سبحانه على 
نعمه... كما يحب هو ويرضى

يقول الملك الودود اللطيف:
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [9]

ويقول:
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [10]

إن الشاكر يصطفيه الله تعالى بنعمٍ إيمانية ودينية من بين قرنائه، وييسر له طريق الصلاح قبلهم، ويفتح له أبواب الأجور باقتداء الناس به، وتعلمهم من العلم الذي علمه سبحانه إياه...

لا لكي يتفاخر..
ولكن ليسد هذه الثغرة، فيُختبر بها كذلك، هل يشكر بعد أن أُعطيها أم يكفر..!



أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.

أما بعد:


لازلنا لم نجب على هذا السؤال.. وهو
كيف أكون شاكرا ؟
كيف أشكر الله تعالى على نعمه كما ينبغي !؟


فإننا نهيء القلوب لهذا الأمر العظيم، حتى تعلم أيها العبد ما جزاء من يشكر الله تعالى كما يحب الله تعالى ويرضى، وما عقوبة من لا يشكر الله تعالى كذلك على اختلاف درجاتهم.

 __________________________________

نقطة مهمة:

ما هي أمثلة النعم التي أغرق فيها (بتفاصيلها) والتي يمكن
أن تسلب مني بسبب عدم شكري ؟ (مجرد أمثلة)

إن تعدادنا للنعم الكثيرة التي نغرق فيها بين فترة وأخرى، هي أول خطوة من خطوات شكرها.. فتعالوا نلقي الضوء على مجموعة من النعم التي نعيشها كل يوم، وقد نغفل عن كثير عنها.. فمثلا..

نعمة الجمال، المال، الزوج، الأبناء، صلاح الزوج، صلاح الأبناء، الوالدين، سهولة تعاملهما، الإخوة، تأليف قلوبنا على بعضنا، الذكاء، العلم، الفهم، طلاقة اللسان، خفة الدم، الحضور في المجالس، شرح الصدر بالإيمان، القوة على الطاعة، الجرأة على الدعوة، الصحة، قوة البدن، البيت، السيارة، الخادم، الأمن، حرية العبادة، التسليات المختلفة، اللباس الساتر، ستر الله عوراتي أمام الخلق، قذف محبتي في قلوبهم، الوظيفة، الراحة، طمأنينة القلب وانشراحه، الوقت، القدرة على الصبر، الهدوء، القدرة على تحمل الألم، سلامة القلب، وسائل الراحة والترف...الخ (بتفاصيلها التي لا تنتهي)

فلا نحصر كلمة نعمة، أو رزق، في صور معينة.. إنما كل ما لديك أيها العبد، وكل ما حولك من عطاءات.. في دينك، أو قلبك، أو عقلك، أو قدراتك البادية أو المعنوية، أو ما يحيط بك من أوضاع وتسهيلات.... بالتفاصيل التي توجد بداخل كل نعمة منهم... إنما هي تفاصيل النعم


وكلها تنتظر الشكر.. وكلها سنحاسب عند حين نلقى الله تعالى.



هنا يأتي سؤال لضبط الموضوع:

هل نحن في هذه الدنيا نعيش فقط في نعم؟ أم أننا أيضا نتعرض لابتلاءات ؟

يقول الملك سبحانه:

{..ونَبْلوكُم بالشّرِّ والخيْر فِتنَة.. وإلَيْنا تُرْجَعون}  [11]


فيجب أن نفهم طبيعة الاختبار الذي نحن فيه، فإنه اختبار مليءٌ بالنعم، غارقٌ في النعم، محشُوٌّ حشياً بتفاصيل النعم التي نراها والتي لا نراها، وفيه بعض الابتلاءات التي لا يصح الاختبار من دونها.

وكل واحد منهما عبارة عن سؤال يجب أن أجيب عليه كما ينبغي، كلٌّ منهما فتنة واختبار.

فالنعمة >>  يجب علي أن أشكرها كما ينبغي

والبلاء << يجب علي أن أصبر عليه، وأرضى عن الله تعالى

ولكنهما يشتركان في أمر: أن أعلم يقينا أن كلاهما آتٍ من الله تعالى وحده، وأنه وحده الذي يملك النعم، كما أنه وحده الذي يملك البلاء، وأنه جل في علاه حكيم خبير، لا يبتلي عباده إلا لحكمة عظيمة، ورحمةٍ واسعة، ليطهر قلوبهم، ويكفر سيئاتهم، ويرفع درجاتهم، ويُرجعهم إلى حال العبودية، ويستخرج منهم العبادات العظيمة التي لا تخرج إلا عند البلاء (من صبر وتوكل وثقة وحسن ظن به سبحانه ودعاء وتذلل وانكسار وتوبة وخشية... الخ). نتعلمها في خطب قادمة بإذن الله تعالى وحده.

ومع هذا نتذكر حقيقة لا يزال الشيطان يغفلنا عنها، أن كل إنسان مهما كان حاله، يغرق غرقا في نعم الله تعالى، التي لا مقارنة بينها وبين بعض البلاءات القليلة التي يختبره بها سبحانه، فوجب عليه الشكر على ما يغرق فيه من النعم.


كما يجب أن ننتبه إلى أن كثيرا من البلاءات التي نتعرض لها قد يكون سببها الرئيسي هو نقص شكرنا على نعم ربنا، فابتلانا بسلب تلك النعم منا، ولو شكرناه كما يحب لأبقى نعمه علينا وزادنا من فضله جل في علاه.


نكمل في الخطبة القادمة بإذن الله تعالى وتيسيره.

اللهم أيها القوي، أيها العزيز، أيها العظيم، ارحم ضعفنا، وارحم عجزنا، وتجاوز عن فقر بضاعتنا، وعاملنا بعفوك وسترك ومغفرتك وتوبتك وجودك، اللهم عبيدك الضعفاء، تتخطفنا الأهواء والفتن وزينة الدنيا، اللهم علمنا عن دينك ما تصلح به قلوبنا، وطهرها يا رب من أمراضها وأهوائها، وأعن جوارحنا على طاعتك وحسن شكرك وعبادتك، وثبتنا على دينك حتى نلقاك، واقبل منا، وارض عنا بفضلك وإحسانك، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم الراحيم.

وأقم الصلاة.



[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله s يبدأ بها خطبه، ويعلمها لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحح إسناده الألباني في إصلاح المساجد
[3] سورة الإنسان 1 ß 3
[4] سورة التكاثر 8
[5] صحيح الترغيب للألباني
[6] السلسلة الصحيحة للألباني
[7] سورة إبراهيم 7
[8] سورة القمر 34 - 35
[9] سورة الأنعام 53
[10] سورة النحل 120 - 121
[11] سورة الأنبياء 35

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية