~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

السبت، 18 أكتوبر 2014

خطب الجمعة.. التي تربي القلوب - عسى الله أن ينفع بها (3)



( 3) تابع/ اسم الله الرب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]
فإن خيرُ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرُ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]

قد بدأنا في الخطبة الماضية بتعلم معنى اسم الله الرب جل في علاه، وتدبره.
وعلمنا أن أصل اسم الرب من التربية، فالله تعالى هو رب العالمين، أي الذي يربي جميع العالمين بنعمه وأقداره.



وعلمنا أن معنى التربية يدور على نوعين: تربية عامة: وهي رعاية خلقه سبحانه، ورزقهم، وتدبير شؤونهم، وحفظهم، وإمدادمهم بما يحتاجونه، وتيسير أمور الدنيا لهم...

وتربية خاصة: وهي تربيته سبحانه لقلوب المكلفين من خلقه (الإنس والجن)

فحينما ترى الله تعالى يُجري عليك القدر الملائم لحالك تماما، فإن أول معلومة تنغرس في قلبك: هي حقيقة وجود هذا الرب، أن هذا الكون حقيقةً له إله، خلقه، وهو تام السيطرة عليه، ويجري الأقدار التي فيه بحكمة وعلم.

فإن معرفة تفاصيل حالك، ودقائق ما يدور في قلبك، وحقيقة ما يناسبك... لا يمكن أن ينشأ من صدفة، ولا طبيعة صماء، ولا طاقة منتشرة تتحكم في الكون، وليس لها إرادة ولا حكمة ولا فهم ولا علم..!!


حينما تعلم في قلبك طغيانا وظلما، وتتعدى على حقوق من حولك لمجرد أنهم أطيب أو أضعف من أن يأخذوا حقهم منك، فتجد الله تعالى ينتقم منك لهم، ويبتليك بالمرض والمشاكل والتعسير والحوادث التي يكسر فيها تجبرك.. تعلم أن خالق هذا الكون موجود، وهو مُطّلع عليك، قادر على عقابك وقتما يشاء.

وحينما تعلم في قلبك تكبرا وإرادة للعلو على الناس، ورغبة شديدة في أن تكون أفضلهم، وأولهم، وأسبقهم في الدنيا، وتتحين الفرص لتعلو وتُمدح، وتبحث عن المواضيع التي تُبرزك بينهم، وتجد أنك كلما دخلت في مجلس وجدت فيه من هو أعلى منك، وكلما أردت التميز في أمر وجدت الناس يمتدحون من هو أفضل منك، وكلما أردت جذب انتباههم، ظهر لهم نقصك فعابوك...
الذي لا يؤمن أن لهذا الكون إله.. سيقول: حظي سيء..!!

لكن الذي يعلم أن خالق هذا الكون ليس غافلا عن عبيده سبحانه، ستصله الرسالة الواضحة: ربك يُصلح قلبك، أنت عبد، انشغل بآخرتك واترك عنك التنافس للدنيا.

حينما ترى في قلبك حسدا للناس، وترى الله تعالى يُغدق عليك النعم بعد النعم، لعلك تشكر، لعلك ترضى، لعلك تثق بقسمة الملك الحكيم لأرزاقه على خلقه... تعلم أن ربك رحيم بقلبك، ويريد أن يزيد إيمانك، ويريد أن يستخرج منك عبوديته ولو رغما عنك...

حينما تدعو ربك متخفيا، لا يعلم بكربك ولا حالك أحد من المخلوقين، فتجده قد استجاب لك أسرع مما تتصور.. تعلم أنه يرسل لك رسالة : أنه موجود، وأنه قريب منك، وأنه أرحم أحد عليك جل في علاه...



على قدر ما تتعلم عن صفات ربك ودينه من كتابه وسنة نبيه s ، على قدر ما تتضح لك تربيته، وتراها واضحة بينة، تراه يُصلحك، يخرج الدنيا التي أنت مفتون بها من قلبك، يُريك حقيقة نفسك وضعفك وفقرك، ويريك عظيم قدرته عليك وعظيم حكمته في تدبير أمرك، وعظيم عدله ورحمته وإحسانه وفضله، يريك حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، يريك حقيقة البشر، أنهم كلهم فقراء ضعفاء خطائين، فلا يستحقون أن تتعلق بهم من دونه، يريك أن ما تبذله للدنيا يزول، وما تبذله خالصا لوجهه هو سبحانه تبقى بركته في دنياك قبل آخرتك..


إن الرب الخبير بقلوبنا سبحانه يربي كل واحد منا ليطهر قلبه من أمراضه، فإن كثيرا من أمراض القلوب يصعب علينا جدا علاجها بأنفسنا، مهما تعلمنا، ولولا أنه يتعاهدنا بالتربية، ويجري على كل واحد منا الأقدار التي تكسر مافي قلبه من أمراض، لما شفي قلب أحد منا.


فإذا تعلمت صفاته، وتبصرت بتربيته، ستصل إلى أن ينغرس في قلبك حبه وتعظيمه، وهما جذري العبودية
ستحبه بقدر ما ترى من عظيم إحسانه إليك، ولطفه بك، وتودده لك، وقربه منك، وإغداقه عليك النعم التي تفوق حاجاتك بكثير...
وستعظمه بقدر ما ترى من عظيم قدرته عليك، ودقة علمه بما قام في قلبك، وسرعة عقوبته أحيانا لك، وقدرته على إيلامك بالأمر الذي يؤلمك وقد لا يؤلم غيرك...


أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:

إن تربية الله تعالى لعبيده تختلف، حسب درجة إيمان كل واحد منهم، فكلما زاد إيمان العبد، كانت تربية الله تعالى له أدق، يستخرج منه أمراضا دقيقة قد لا يخرجها ممن هو أقل منه إيمانا

ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه..

فليس المقصود بالبلاء الشدة فحسب، إنما البلاء الاختبار

يقول جل في علاه : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) } [3]

فكلما زاد إيمان العبد وقربه من ربه، أراد الله تعالى من قلبه أن يكون أكثر صفاء، وأطهر من الأمراض، وأشد عبودية وذلا...

ولهذا كان أكثر دعاء الأنبياء باسم الله تعالى الرب، لأن أعظم ما يريدونه هو أن يربيهم التربية الخاصة التي تزكي قلوبهم، فترتفع مكانتهم عنده سبحانه، إضافة إلى أن كل حاجاتهم المادية ضمن ربوبيته العامة سبحانه


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } [4]
وقال : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) [5]
وقال: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)[6]

وقال سليمان عليه السلام : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) [7]

وقال موسى عليه السلام : رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) [8]
وقال لوط عليه السلام : رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) [9]
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) [10]
...


فإذا عرفت أن الله تعالى هو وحده الرب، وليس هناك رب سواه، ستعلم أنك لست أنت من تربي أبناءك، إنما الذي يربيهم على الحقيقة هو الله تعالى.

فإن الله تعالى كما يجري عليك الأقدار التي تصلح نقائصك، هو سبحانه يجري عليهم هم أيضا الأقدار التي تصلح نقائصهم

فما وظيفتك أنت !؟ وظيفتك أيها الأب، أيتها الأم، أيها المربي في 4 أمور إجمالية، يدخل تحتها الكثير من التفاصيل:

1.  الدعاء، شدة التذلل بين يدي الله تعالى أن يصلحهم، وأن يربيهم تربية تنجيهم في الدنيا والآخرة، وعلى قدر استعانتك بربك، على قدر تسديدك وتوفيقك.
2.  أن تتعلم أنت من دين ربك ما يصلح قلبك وجوارحك، حتى تنتفع أنت من شرعه سبحانه ومن تربيته لك، حتى إذا أصبحت إنسانا صالحا حقا (تقيا في قلبك، وليس ظاهريا فحسب) كافأك الله جل في علاه بأن أصلح لك أبناءك.
3.  أن تُفسّر لهم تربية الله تعالى لهم في كل موقف، كما تعلمت من دينه:

·       فإذا صار عندك مال تقول لهم: هذا رزقناه الله – وليس البنك أو الوظيفة.
·       وإذا طلبوا منك شيئا تقول لهم: اسالوا الله، يرزقني ويرزقكم.
·       وإذا طغوا أو ظلموا أو تمادوا في المعاصي فابتلوا، تقول لهم: هذا عقاب الله.
·       وإذا خافوا من أمر تقول لهم: الجؤوا إلى ربكم واستعينوا به، يحفظكم وييسر لكم.
·       وإذا أجرى عليهم أقدارا تناسب مرض كل واحد منهم تقول له: الله فعل معك كذا، لأنك كذا وكذا...
(هذا بعد أن تقول هذه الأمور لنفسك حينما يربيك ربك سبحانه)

4.  أن تفعل معهم ما أمرك الله تعالى به لتؤدي حقهم وتنقذهم من الهلاك في الدنيا والآخرة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) [11]

" كلكم راع ومسؤول عن رعيته " [12]

فتعلمهم دينهم، وتحثهم عليه، وتعظهم وتذكرهم، وتعينهم على فهم أنفسهم، والقيام بحقوق الله تعالى وحقوق الناس من حولهم، وتناقشهم في أمراض قلوبهم، وتجتهد معهم في تقوى الله تعالى، وتتناصح معهم، وتقبل نصيحتهم، وتعلمهم أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون... وكل هذا يحتاج إلى علم.

اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما، اللهم علمنا عنك ما يملأ قلوبنا بمحبتك وتعظيمك، اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا لحبك، اللهم أنت أعلم أن في قلوبنا أمراضا ستهلكنا، اللهم فأصلحها لنا بلطف، اللهم فطهر قلوبنا برحمتك ورأفتك، اللهم اجعلنا نلج إليك بقلوب سليمة، اللهم املأ قلوبنا بالعبودية، اللهم طهر قلوبنا من كل كبر ونفاق وعلو وطمع وتعلق بالدنيا وغفلة وحسد وحقد وسوء ظن فيك أو في خلقك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا دوام الاستعانة بك، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى ضعفنا طرفة عين، نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم الراحيم.

وأقم الصلاة.


[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله s يبدأ بها خطبه، ويعلمها لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
[2] صحح إسناده الألباني في إصلاح المساجد
[3] سورة الأنبياء
[4] سورة البقرة 126
[5] سورة البقرة
[6] سورة البقرة
[7] سورة النمل
[8] سورة المائدة
[9] سورة الشعراء
[10] سورة الأنبياء
[11] سورة التحريم
[12] البخاري ومسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية