( 2) اسم الله الرب
إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]
فإن خيرُ
الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرُ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ
ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]
ويقول سبحانه : { فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ
وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (36) } [5]
من أعظم أسماء الله تعالى التي اختارها لنفسه، وهو يليق
به سبحانه اسم الرب ، قد ورد في كتابه في
سياقات عديدة أكثر من 500 مرة، فما معنى اسم الرب سبحانه ؟
الرب في اللغة هو : المالك ، والسيد ، والمدبر ، والمُربي ، والقيم ، والمُنعم ، ولا يُطلق غير مضاف إلا
على الله (فيُقال الرب) وإذا أطلق على غيره أضيف، فيُقال: رب الدار، ورب الفرس...
الخ.
وكل هذه المعاني ترجع إلى مصدر التربية،
فاسم الرب جاء من التربية.
والتربية لغة: تشمل حفظ من تُربي، ورعايته، وحسن القيام
عليه، وتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه كما يربي الرجل ولده.[7]
فالله تعالى هو رب العالمين، أي هو وحده الذي ربى ويربي
وسيربي جميع العالمين سبحانه بنعمه وأقداره.
والذي يتأمل في معاني التربية والربوبية التي ذكرناها،
يجد أن تربية الله تعالى لخلقه تنقسم إلى نوعان، سماهما العلماء ( تربية عامة ،
وتربية خاصة )
فالتربية العامة: التي ربى ويربي سبحانه بها جميع خلقه، من إنس وجن
وملائكة وسماوات وأرضين، من أحياء وجمادات، المؤمنين والكافرين والعاصين، وهي
التربية التي لا وجود لأحد بدونها.
فهو سبحانه ربنا: الذي خلقنا، وأعد كل واحد منا
بالإمكانات التي تناسب دوره في هذه الحياة، وهو الذي دبّر علاقتنا ببعضنا،
والقوانين التي تُسيرنا حتى تتم منظومة هذا الكون، فدبر النبات بأنواعه وكمياته
المناسبة، ودبر أنواع الحيوانات بأعدادها التي تلائم وظيفتها، ودبر الكواكب
والنجوم وأحجامها وأبعادها، ودبر طبيعة الأرض، ودوران الماء، ونسبة العناصر في
الهواء، ودبر خلايا الإنسان وأجزاءه بأكمل وأجمل صورة تعينه على خوض هذا الاختبار...
إلى آخر ما أعد الله به كل واحدٍ من خلقه بما يلائم دوره الذي خلقه له.
وهو سبحانه القيوم القائم على رزق جميع عباده، الذي يسوق
الأرزاق لهم جميعا باستمرار كما تقتضي حكمته، فيرزق الكافر كما يرزق المؤمن، ويشفي
العاصي كما يشفي الطائع، ويحفظ السماوات والأرض أن تزولا، ويرعى مخلوقاته ويتعهدها
بالعطايا والتدبير، ولولا رزقه وتربيته للخلائق لما استطاع البقاء في هذه الدنيا
أحد.
فتربيته العامة تخص عطاءاته المادية، تخص عطاءات الجسد،
وهذه يتساوى فيها عنده الطائع والعاصي، والمؤمن والكافر، يقسمها بين عبيده بحكمته
ليتم اختبار كل واحد منهم، فليست عطاياه المادية لك دليل على رضاه ولا على محبته !
لا تظن أن الله حين أغدق عليك المال، أو جعلك تولد في
بيت مترف غني، أنه يحبك أكثر ممن خلقه فقيرا
ولا تظن أنه حين رزقك الجمال، أنك أكرم وأعز عليه ممن
خلقه دميما
ولا تظن أن حسبك وعائلتك التي ينافقك الناس من أجلها،
دليل على أنك رفيع المكانة عنده
ولا تظن أن رزقه إياك الزوجة والولد، دليل على أنه راض
عنك أكثر ممن حرمه الزوجة او الولد
قال s : " إنَّ اللهَ يُعطي الدُّنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ،
ولا يُعطي الإيمانَ إلَّا من أحبَّ " [8]
إنما عطايا الدنيا معونة من الله تعالى لك لتنجح في
اختبارك، إذا شكرته عليها كما ينبغي، وليس من شكر النعم التفاخر بها على الخلق،
ولا الاطمئنان إليها والشعور بأنها باقية لن تذهب.
والتربية الخاصة : هي تأديبه سبحانه لعبيده ليُصلح قلوبهم وأرواحهم، حتى
إذا صلحت قلوبهم صلحت جوارحهم، فصلحوا لمجاورته في الجنة !
ومن تربيته الخاصة
لعبيده إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وحفظ العلم جيلا بعد جيل حتى يتعلمه الناس
فيزكوا به قلوبهم، حتى إذا زكت قلوبهم انصلح حال جوارحهم. فالذي يتعلم دين ربه، فينتفع
به، فيصلح قلبه وعمله، يكون قد انتفع من تربية الله تعالى الخاصة، التي لا ينتفع بها
كل أحد (وليس المقصود بالانتفاع جمع العلم فحسب، إنما العمل به بقلوبنا وجوارحنا)
ومن تربية الله تعالى الخاصة
لعبيده، التي يصلح بها قلوبهم، أقداره التي يجريها عليهم.
فإن الرب جل جلاله قيوم،
أي قائم على كل نفس بما كسبت، لم يخلقنا وينام، ولم ينشغل عنا بمخلوقاته الأخرى.. حاشاه
الرب المربي جل في علاه.
والرب جل وعلا من أسمائه الكاملة الحسنى أنه الخبير، أي الذي دقٌ علمه بخفايا الأمور، وبما تحويه الصدور
ومن أسمائه سبحانه الحكيم:
الذي يضع الأشياء في مواضعها الملائمة لها
{ مَا
يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ
فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) } [10]
فحين يربي الخبير الحكيم عبيده سبحانه، يربيهم بما يناسب
كل واحد منهم.
يربيك بالأقدار التي تلائم أمراض قلبك التي ابتليت بها، وتلائم
درجة فهمك، وتلائم البيئة التي خلقك بها، وتلائم نقاط ضعفك ونقاط قوتك...
يربيك التربية التي يفترض أن تفهمها أنت دون أي أحد آخر،
إذا تبصرت أن الأحداث التي تجري من حولك إنما هي تربية الرب جل جلاله، ستفهم كيف أن
أقداره عليك نازلة تماما على جرحك، ملائمة تماما لمرض قلبك ونقاط اختبارك.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه
العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له
شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:
من أسماء الله تعالى الرحيم والرؤوف واللطيف، لا تظن أن أقداره
عليك كلها شدة، إنما الجزء الأكبر من تربيته لك إنما هي بما اتصف بها من إحسان وحلم
وستر وعفو ولطف وتودد وجبر وحفظ ومغفرة وتوبة وكرم وعطاء وجود وحفاوة...
ولكن لأننا في اختبار، والغاية من هذا الاختبار أن نستسلم
لهذا الرب، ونقبل تربيته لنا (بشرعه وأقداره) فلابد وأن يكون جزء من هذه التربية فيه
نوع من الشدة، إلا أن هذه الشدة لا تخرج عن قدرتك وطاقتك
{ لا يُكلّف
اللهُ نفْساً إلا وُسعها } [11]
فتبصر بتربية ربك، واقبلها، وارض عن حكمته وقيوميته ومُلكه
وتدبيره.
حينما يُنقص عليك رزقك، فاعلم أنه هو الذي أنقصه، فلا تتهم
فلانا وفلانا، ولا تُجند كل طاقات عقلك لتحفر الصخر لتأتي بهذا الرزق..! ابذل السبب
باتزان، لكن اعلم أن ربك هو الذي أنقصه
وحينما يصيبك الغم، فاعلم أن ربك قد ضيق صدرك، لحكمة، ولا
تستطيع وسائل الدنيا كلها أن تشرح لك صدرك، وهذا لا يمنع أن تبذل الأسباب المتزنة لشرح
صدرك
وإذا وجدت نفورا من زوجك أو أبنائك، فاعلم أن ربك هو الذي
صرف قلوبهم عنك
وإذا وجدت مشكلة تعاني منها قد حُلّت، فاعلم أن ربك هو الذي
حلها، فلا تنسب حلها لعقلك ولا لغيرك
وإذا وجدت سبل العلم والفهم قد فتحت لك، لا تظن أن هذا بحولك
وقوتك، أو بفضل والديك وشيخك فحسب، إنما هو الرب يغدق عليك نعمه لينظر أتشكر أم تكفر.
يقول الرب سبحانه
{ وَلَوْ
بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ
بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) } [12]
فيبقى السؤال: كيف يربي الله تعالى قلوبنا بالنقص والعطاء
؟ ما هي تفاصيل هذا الأمر ؟ لماذا يُنقص علي رزقي ؟ ما المرض الذي يريد تطهيري منه
؟ لماذا يبتليني بالغم ؟
إذا منّ الله تعالى علينا بالعمر والفتح، نكمل تدبر تربية
الله تعالى الخاصة في الخطبة القادمة بإذنه سبحانه.
اللهم يا ربنا، ورب جميع العالمين، يامن تعلم
مافي قلوبنا، وأنت القادر وحدك على إصلاحها، اللهم ربّ قلوبنا بلطفك وحلمك، اللهم أصلحنا،
اللهم اهدنا، اللهم اشرح صدورنا للإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق
والعصيان، اللهم إن قلوبنا بين أصبعين من أصابعك تقلبها حيث تشاء، فاللهم بقدرتك ورحمتك
وعفوك ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ومراضيك، اللهم
ارزقنا حسن عبوديتك، اللهم أخضع هذه القلوب لتكون قلوبا عبدة مستسلمة لعظمتك وكبريائك،
واملأ قلوبنا بمحبتك، وارزقنا النظر لوجهك الكريم في الجنة، بعد أن ترحمنا وتعفو عن
كثير زللنا وتقصيرنا، نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل
مكان يا أرحم الراحيم.
وأقم الصلاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق