حوار بين اثنين كلاهما ملتحي، ومقصر لثوبه، ومصلي في المسجد، ويحفظ القرآن، ويحضر دروس العلم
(أو امرأتين كلتاهما منتقبة، ومصلية، وتحفظ القرآن، وتحضر دروس العلم):
👤: هل تعرف ما هي العلمانية!؟
💡: العلمانية هي فصل الدين عن الدنيا
👤: هل تعتقد أن كثيرا من "المستقيمين" و "حفظة القرآن" في زماننا واقعين في العلمانية!؟
💡: لا، فالعلمانية ضد الدين، وهؤلاء هم أهل الدين.
👤: إذن تعال فلنضرب مثالا: لو رأيتك في حديقة أو في زيارة وأنت تتعامل مع ابنك، وقلت لك إن تعاملك مع ابنك خطأ، ولا يجوز أن تعامله بهذه الطريقة، بماذا سترد علي؟
💡: سأقول لك جزاك الله خيرا على النصيحة.
👤: جميل، ولو ألححت عليك واستنكرت فعلك، وبدأت أشرح لك أن ما تفعله حرام وستأثم عليه؟ بماذا سترد علي؟ أو بالأحرى: بماذا ستود أن ترد علي (ولو احتفظت بهذا الرد في قلبك ولم تتلفظ به)؟
💡: ربما يخطر ببالي أنه: لا علاقة لك في علاقتي بأبنائي، أنا أدرى بمصلحتهم، أنا أعرفهم أكثر منك، إليك عني ليتك لا تتدخل فيما لا يعنيك... ربما سأشعر بهذا.
👤: هل ستشعر أنّ قولي أنّ ما تفعله حرام وستأثم عليه مبالغ فيه!؟
💡: نعم، وما علاقة تفاصيل طريقتي مع أبنائي بالحلال والحرام!
👤: هل تشعر أن تعاملك اليومي مع أبنائك حرية شخصية لك، أنت من تقرر تفاصيل ردود فعلك عليهم، وطريقة توجيههم، وطريقة قضاء الأوقات معهم، وطريقة ثوابهم وعقابهم؟
💡: نعم بالطبع.
👤: ولو علق عليك أحدهم أن هذا حرام، أو هذا إثم، أو هذا لا يجوز فإنك ستستنكر تعليقه عليك وتستغرب من مبالغته؟
💡: نعم!
👤: هذه يا صديقي هي بالضبط "العلمانية"
💡: مبالغة مرة أخرى!
👤: إذا عرفت كيف تجيب على السؤال التالي، ستفهم ما أقوله بإذن الله: هل أنت عبد أم حر؟
💡: أنا عبدٌ لله تعالى.
👤: إذن أنت لست حرا؟
💡: بالتأكيد أنا حر!
👤: هل تدرك أن هذا يعتبر تناقض!؟ فالعبودية ضد الحرية، فأنت إما أن تكون عبدا، أو تكون حرا، فأيهما أنت؟ عبد أم حر!؟
💡: أنا عبد لله وحده، وحر مما سواه!
👤: جميل، إذن أنت لست حرا مع الله تعالى!؟ صحيح؟
💡: صحيح، أنا عبدٌ لله.
👤: والعبد (غير الحر) هل يتصرف في ملك سيده بحريته، أم بأوامر سيده!؟
💡: بأوامر سيده طبعا.
👤: هل أبناؤك ملكك، أم ملك سيدك؟
💡: أبنائي عبيد لله، ملكٌ له، والله ملّكني أمرهم لأقوم عليهم.
👤: ممتاز، هل ملكك أمرهم لتقوم عليهم (بحريتك) أم (بأوامر سيدك)؟
💡: هناك أمور أقوم بها بأوامر سيدي، وهناك أمور هو جعل لي الحرية فيها.
👤: أنا أوافقك تماما..
هل تستطيع أن تفرق لي ببعض الأمثلة: ما هي دائرة الأمور التي يجب أن تعاملهم فيها وفق أوامر سيدك، ودائرة الأمور التي مسموح لك أن تعاملهم فيها وفق حريتك؟
💡: !!! هذه أمور معروفة!
👤: هي غير معروفة بالنسبة لي! أفدني وفرق لي بينهما.
💡: يجب أن أتقي الله فيهم، وأصرف عليهم، وأعلمهم الصلاة والحلال والحرام... وما سوى ذلك من تفاصيل حرية شخصية لي أنا!
👤: على الرغم من أن الكلام مجمل جدا، ولكن لا بأس به
تقصد أنّ نفسيتك معهم، وكيف ترد عليهم، وكم تقضي من الوقت معهم، ومتى تغضب عليهم، وكيف تعاقبهم، وهل تتبسم في وجوههم أم لا، وهل تقبلهم أم لا.... الخ، كل هذه لا يجب عليك أن تفعلها وفقا لأوامر سيدك، وإنما وفقا لحريتك أنت، صحيح؟
💡: يعني تقريبا.
👤: هذا فهمك أنت لدائرتي العبودية والحرية في تعاملك مع أبنائك، فهل لديك دليل على هذا التفريق!؟
يفترض أنّ كونك عبدا، إذن أنت محكوم بأوامر سيدك في كل ما تفعل، أنت تدعي الآن أن هذه الدائرة التي شرحتها تخرج عن هذه القاعدة! ولديك حرية فيها أن لا تتبع أوامر سيدك في القيام بها، فهل لديك دليل على هذا الاستثناء!؟
💡: وهل لديك أنت دليل على غيره!؟
👤: أنت من تدّعي التفريق، وأنا باق على الأصل، إذن أنت المطالب بالدليل، وإن لم يكن لديك دليل، وجب عليك أن تعود للأصل (وهو العبودية).
💡: الدليل أنّ الله تعالى لم يأمرنا بتفاصيل هذه الأمور في دينه، وتركها لنا ليحكم بها كل شخص حسب ظروفه وقراراته.
👤: هل أنت متأكد أنّ الله تعالى لم يأمرنا بهذه التفاصيل!؟
💡: نعم بالتأكيد.
👤: حسنا: هاك "بعض" النصوص التي تردّ الدليل الذي جئت به:
☀️ ☀️ ☀️
☀️ قَبَّلَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وعِنْدَهُ الأقْرَعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهمْ أحَدًا!
فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: "مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ". [متفق عليه]
قال ابن عثيمين رحمه الله:
قال النبي ﷺ: (من لا يرحم لا يرحم) فدل ذلك على أنه ينبغي للإنسان أن يجعل قلبه لينًا عطوفًا رحيمًا، خلاف ما يفعله بعض الجفاة من الناس، حتى إنه إذا دخل الصبي عليه وهو في القهوة انتهره ونزره ارجع ارجع لا تجي للرجال لا تجي!
هذا غلط! ارحم الصبيان، خلهم يأتون، وإذا أساؤوا الأدب علمهم، أما أن تطردهم فهذا خطأ.
[شرح رياض الصالحين]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ كان مع رسولِ اللهِ ﷺ رجلٌ، فجاءَ ابنٌ لهُ فقَبَّلَهُ وأجلسهُ على فَخِذِهِ، ثم جاءتْ بنتٌ لهُ فأَجْلَسَها إلى جنبِه!
قال: "فهلَّا عَدَلْتَ بينَهُمَا". [السلسلة الصحيحة للألباني]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ قال رسولِ اللهِ ﷺ: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". [متفق عليه]
وأخيه تعني: أخيه في الإسلام، فيدخل فيها كل مسلم: رجلا أو امرأة، صغيرا أو كبيرا، عبدا أو حرّا...
وبما أنّ من شريعتنا أنّ أي إحسان أو حق حثنا الله تعالى على فعله مع المسلمين، فإنّه يكون متأكدا مع الأقرب فالأقرب، والواجب يكون أوجب، والإثم عند عدم فعله يكون أعظم.
فإنّ أوّل من يجب على العبد أن يحب لهم ما يحب لنفسه هم الأقربين: الزوج/ة، الأبناء، الوالدين، الإخوة... الخ.
وهذا الحديث يعتبر مفتاحا واضحا شاملا لكل ما يخص العلاقات بين المسلمين.
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
وكان مما يبايع الرسول ﷺ أصحابه: "والنصح لكل مسلم".
* فإذا قال قائل: ما هو ميزان النصيحة للأمة؟
فالميزان هو ما أشار إليه النبي ﷺ؛ بقوله: "لا يؤمن أحدكم حتَّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، فإذا عاملت الناس هذه المعاملة؛ فهذا هو تمام النصيحة.
فقبل أن تعامل صاحبك بنوع من المعاملة فكر؛ هل ترضى أن يعاملك شخص بها؟ فإن كنت لا ترضى؛ فلا تعامله!!
[شرح العقيدة الواسطية]
فكل تعامل، كل ردة فعل، كل تعبير في وجهك، كل وقت تقضيه معهم أو مع غيرهم، كل اهتمام، كل قرار.......... اسأل نفسك (بصدق) هل لو عاملني أبي بهذه الطريقة سأحب ذلك!؟
وانتبه: السؤال ليس: هل عاملني أبي أو أمي بهذه الطريقة!
ولكن السؤال: هل تحب!! حتى لو كان أبوك أو أمك قد عاملاك بهذه الطريقة، تذكر شعورك (وقتها) هل كنت تحب هذا!؟ أم كنت تحب لو عاملوك بطريقة أخرى!؟
هذا هو الميزان
قال رسول الله ﷺ: "مَن أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ،
فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهو يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ،
وَلْيَأْتِ إلى النَّاسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ" [صحيح مسلم]
(كل الناس.. والأقربون أولى بالمعروف)
☀️ ☀️ ☀️
☀️ خرَجَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ في إحدى صَلَاتَيِ العِشاءِ، وهو حامِلٌ حسنًا أو حُسينًا، فتقدَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ، فوضَعَه، ثمَّ كبَّرَ للصَّلاةِ، فصلَّى، فسجَدَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِهِ سجدةً أطالَها، قال أَبِي: فرفَعْتُ رَأْسي، وإذا الصبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ ﷺ وهو ساجِدٌ، فرجَعْتُ إلى سُجودي، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ ﷺ، قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدْتَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِكَ سجدةً أطَلْتَها، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قدْ حدَثَ أمْرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ!
قال: "كلُّ ذلكَ لم يكُنْ، ولكنَّ ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ حاجتَهُ!". [صحيح النسائي]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كُنَّا نُصَلِّي مع رسولِ اللهِ ﷺ العشاءَ، فإذا سجدَ وثَبَ الحَسَنُ والحُسَيْنُ على ظهرِهِ، وإذا رفعَ رأسَهُ أَخَذَهُما بيدِهِ من خلفِهِ أخذَا رفيقًا، فوضعَهُما وضْعًا رَفيقًا، فإذا عادَ؛ عادَا، فلمَّا صلَّى وضعَهُما على فخذيْهِ واحِدًا هَهُنا ووَاحِدًا هَهُنا.
قال أبُو هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ: فَجِئْتُهُ فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ! أَلا أَذْهَبُ بِهما إلى أُمِّهِما؟!
قال: "لا".
فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فقال: "الحَقَا بِأُمِّكُما".
فما زَالا يَمْشِيانِ في ضَوْئِها حتى دَخَلا إلى أمِّهما. [السلسلة الصحيحة للألباني]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ النبيَّ ﷺ يَؤُمُّ النَّاسَ وأُمَامَةُ بنْتُ أبِي العَاصِ - وهي ابْنَةُ زَيْنَبَ بنْتُ النبيِّ ﷺ - علَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وضَعَهَا، وإذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أعَادَهَا. [متفق عليه]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمَ بالعِيَالِ مِن رَسولِ اللهِ ﷺ. [صحيح مسلم]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ ﷺ يقولُ في بَيْتي هذا: "اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ". [صحيح مسلم]
☀️ قال رسول الله ﷺ: "ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة". [متفقٌ عليه]
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
هل هذا يختص بالإمام الأعظم أو بمن هو نائب عنه كالوزراء والأمراء أو هو عامٌ؟
عامٌ، الدليل: قول النبي ﷺ: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) الرجل راع في أهله استرعاه الله عليهم، إذا مات وهو غاشٌ لهؤلاء الأهل فإن النبي ﷺ يقول ( حرم الله عليه الجنة ).
ويدخل في ذلك مدير المدرسة، فإذا مات وهو غاش لمن تحت يده فإن الله يحرم عليه الجنة. طيب يدخل في ذلك المدرس الاستاذ؟
نعم ، إذن هو في الحقيقة عام، حتى المرأة في بيت زوجها تدخل في ذلك.
[شرح بلوغ المرام - مختصرا]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ قال رسول الله ﷺ: "مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ". [صحيح الجامع للألباني]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: أَعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالَتْ عَمْرَةُ بنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، فأتَى رَسولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِن عَمْرَةَ بنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يا رَسولَ اللَّهِ.
قالَ: "أعْطَيْتَ سَائِرَ ولَدِكَ مِثْلَ هذا؟"
قالَ: لَا!
قالَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلَادِكُمْ"!
قالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. [متفق عليه]
☀️ ☀️ ☀️
☀️ عن عبدالله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ ﷺ قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ!
فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ: "وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟"
قالتْ : أُعطيهِ تمرًا.
فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ: "أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا؛ كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ". [صحيح أبي داود]
☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️ ☀️
وغيرها من النصوص الكثيرة
فهل هذه النصوص تعتبر من الدين، أم من الحرية الشخصية!؟
💡: من الدين!
👤: إذن تعامل الشخص مع تفاصيل علاقاته بالناس، وردود فعله عليهم على أنها حرية شخصية، هل هذا يعتبر إسلام أم علمانية، وفصلٌ للدين عن تفاصيل الدنيا!؟
💡: الذي يظهر من كل ما قلته، أنها علمانية!!
👤: والأمر لا يتعلق بالأبناء فحسب، بل بالزوج والزوجة والإخوان والوالدين والأهل والجيران والخدم والرؤساء والمرؤوسين...... الخ وسائر الناس.
بل إنّ هذا لا يتعلق فقط بتعاملات الناس مع بعضهم البعض، وإنما كثير من الأمور في حياتنا
(بيوتنا، وقراراتنا، وأعمالنا، وطريقة اكتسابنا لأموالنا، وطريقة إنفاقنا لها، وما نقضي فيه أوقاتنا، وتقييمنا للناس، وتقييمنا للصواب والخطأ، والنافع والضار، وترتيب همومنا وأولوياتنا، وحتى مشاعرنا: ماذا نحب، وماذا نكره، ومن نحب، ومن نكره، ومن نصاحب، ومن لا نصاحب........)
كلها عليها عشرات ومئات النصوص التي تضبطها، وتحدد كيفيتها ومقاديرها وأوقاتها، وتحدد دائرة الحرية الشخصية فيها.....
ومع ذلك.. يتعامل معها "المستقيمون قبل غيرهم!" على أنها حريات شخصية، لا علاقة للدين بها!!!
يقول جل جلاله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}
قال السعدي رحمه الله:
أي: في جميع شرائع الدين, ولا يتركوا منها شيئا, وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه, إن وافق الأمر المشروع هواه فعله, وإن خالفه, تركه، بل الواجب أن يكون الهوى, تبعا للدين, وأن يفعل كل ما يقدر عليه, من أفعال الخير, وما يعجز عنه, يلتزمه وينويه, فيدركه بنيته.
[تفسير السعدي - البقرة - ٢٠٨]
الحقيقة: أنّ قبولك للإسلام؛ وقبولك للدين = قبولك لأن تكون عبداً!
والعبد عكس الحر
عبد: أي أنك اخترت أن تسلب حرية نفسك؛ التي اختبرنا الله تعالى بها، وتُعطيها له سبحانه طوعاً!
كما أنّك لا حرية لك مع أقداره جل جلاله قهرا.
فتصبح "عبدا لله" حقيقةً، وعبد "الله" لا يتحرك إلا بأمر سيده جل في علاه، ولا يفكر إلا كما علمه سيده، ولا يشعر إلا بالمشاعر التي يحبها سيده، ولا يقرر قرارات في حياته إلا وفقا لأوامر سيده، ولا يحمل هموما إلا ما أراده سيده، ولا يسعى في أمر أو يُحجم عن أمر... إلا كما شرع له سيده في دينه الكامل سبحانه....
فهو ليس حرا... إنما هو "عبد"
عبد يحب سيده أعظم من حبه لأي أحد، ويخشاه أعظم من خشيته لأي أحد، ويرجوه أعظم من رجائه في أي أحد...
لهذا يطيعه سبحانه طاعة مطلقة.. ولو خالف بذلك كل أحد!
حتى نفسه!!
لأنّ هدفه الأسمى هو رضاه جل جلاله، أن يرضى عنه، فيفوز في هذا الاختبار، فيدخل جنته وينجو من ناره!
هذا هو المؤمن، هذا هو العبد، هذا هو "عبد الله" الذي يعبده ولا يعبد غيره جل جلاله، حتى هواه!
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}!؟
من أجل كل ذلك، فإنّ المؤمنين (ابتداء بالصحابة إلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة) حريصون على تعلم تفاصيل الإسلام، أدق التفاصيل، وتدبرها، وإسقاطها على أرواحهم ومشاعرهم وأفكارهم وأعمالهم وتفاصيل حياتهم...
وكلما مروا بأحداث أكثر، شعروا بحاجة أكثر للبحث في دين الله تعالى عن تفاصيل ما يرضيه في هذه الأحداث، وكيف يتعاملون معها، وكيف يضعوها في حجمها الصحيح...
لأنّ "المؤمن" ليس حُرّاً !!
المؤمن عبد!
لديه كتاب تعليمات يخبره بالتفصيل ماذا يفعل وماذا لا يفعل..
وهذا الكتاب كبير جدا، ومليء بالتفاصيل
ويحتاج إلى تدبر وتفكر وتذكر وتدارس...
فالمؤمن مدرك.. أنّ ما يهلك الناس في هذا الاختبار أحد أمرين:
🚩1- إما نقص العلم التفصيلي عما يجب عليهم في كل موقف، وهذا يجعلهم وإن كانت نيتهم سليمة، فإنهم لا يعرفون ما يريده الله تعالى منهم، وقد لا يعرفوا أنّ الله تعالى يريد منهم شيئا معينا في تفاصيل حياتهم (كما بدأنا في هذا الحوار!)، فلا يبحثون في دينه جل في علاه عن هذه التفاصيل، ولا يتدبرونها، ولا يتدارسونها، ولا يقبلون النصيحة إذا قدمت لهم فيما يخصها، ولا يتحاورون مع من حولهم فيها...
تفاصيل كثيرة عما يريده الله تعالى منهم لا يعرفونها.. ولن يعرفوها! لأنهم يهربون من البحث والتعلم والحوار والمدارسة!!
ثم يتصرفون وفق أهوائهم، أو خبراتهم... {وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا}!
🚩2- أو اتباع الهوى، وهذا حين يكونون يعرفون ما أمر الله تعالى به في موقف ما، أو في قضية ما، ولكنهم لا يريدون أن يطبقوا ما أمرهم الله تعالى به، لماذا!؟
لأنّ حياة "العبد" صعبة! حياة يركز فيها الإنسان على تفاصيل حياته، تفاصيل أفكاره، ومشاعره، وكلامه، وتصرفاته، وردود فعله...
لا يتصرف بتلقائية مع أحد ممن حوله، حذر، متفكر، باحث، يتقي الخطأ والذنب والزيغ...
لا يفعل ما يهواه كلما أراد فعله... قد يضحي بكثير من أهوائه لأنها تخالف ما يحبه الله تعالى في هذا الموقف أو ذاك...
فهم يعلمون أنّ ما يفعلونه الآن ظلم.. ومع ذلك يفعلونه، أنّ ما يفعلونه الآن كبر.. ومع ذلك يفعلونه، أنّ ما يفعلونه تجاوز للحدود.. ومع ذلك يفعلونه!
لأنّ هذا هواهم، أو هذا مزاجهم الآن، أو هذه نفسيتهم، أو هذا ما يريحهم.... الخ.
🌿أما "المؤمن" = وهو "العبد" فإنه يفعل الأمرين
يتعلم التفاصيل طوال حياته
ويبذل جهده للعمل بها.. حتى يرضى عنه سيده جل في علاه.
وحينما يضعف ويُخطئ.. فإنه يعترف أنه هو المخطئ، وهو المذنب، وهو المقصر، ويسعى جهده ليستغفر ويتوب ويصلح من نفسه..
وإن كان خطؤه في حق أحد، فإنه يسعى للتحلل منه والاعتذار وإرجاع الحقوق...
هذا هو المؤمن، هذا هو العبد
ومن سوى ذلك.. من يحصر الإسلام في بعض الشعائر الظاهرة.. ويسلب منه غالبه مما يتعلق بتفاصيل حياتنا ومشاعرنا وأفكارنا وعلاقاتنا...
فهذا هو العلماني!
الذي مسماه الشرعي: أنه منافق!!
فمن هو المنافق (إن كان نفاقا أصغر أو أكبر)!؟ الذي "يُظهر" الإسلام - ببعض الشعائر-، ولا يعمل بحقيقته وتفاصيله، يعمل بإسلام قد فصّله تفصيلا على أهوائه! يعمل بإسلام سطحي.. يُصلح ظاهره أمام الناس.. ولكن لا يتداخل مع حياته وراحته وقراراته!
💡: كيف كنا مغيبين عن كل هذه التفاصيل!؟
لماذا لم نعد نتعامل معها على أنها دين!؟
👤: لأنّ من أهم مسؤوليات طلبة العلم والدعاة تعليم الناس بالتفاصيل (كل) ما يحتاجون إلى تعلمه من الدين، وتبيينه لهم باللغة التي يفهمونها، وبالأمثلة التي يعيشونها!
وغالب طلبة العلم منذ عقود، ركزوا على بعض مواضيع الدين، وتركوا هذه المواضيع دون شرح ولا حتى تنبيه! وإذا تكلموا عنها فبشكل مجمل ودون تفاصيل وأمثلة!
وفي المقابل.. نزل على الساحة بديل لهم! علم النفس والتربويين الغربيين! وعلوم التنمية الذاتية والطاقة!!!
فظن الناس أن هذه التفاصيل لا علاقة للدين بها، وإنما يرجع فيها كل شخص إلى نفسيته هو وعقله، أو إلى تلك التي يسمونها علوم، وهي أديان بديلة للإسلام في حياة الناس!
إن ما ذكرناه هنا مجرد عناوين، والعناوين لا تُصلح قلبا ولا عملا..
وكل نص من هذه النصوص يحتاج إلى دورات ووقفات ومتابعات، وصحبة تحاور وتعين، ونصح وقبول للنصح.....
حتى يرجع "المستقيمون!" إلى الإسلام!
قبل غيرهم.
اللهم ردنا إليك ردا جميلا
وارزقنا صحبة المؤمنين الصالحين.. واصرف عنا المنافقين والعلمانيين!
اللهم آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق