~كتاب الله~
هو الهدى والنور والروح والرحمة والشفاء والبركة والبرهان والحكمة والحق...
نحتاج أن ننكب على تدبره وفهمه وإسقاطه على قلوبنا وأبداننا لنصلح لمجاورة الله في الجنة


تابعونا

على الحساب الموحد في تويتر وانستجرام @TadabbarAlquran

تابعوا مدونة "علم ينتفع به" تحوي تفاريغ دروس الأستاذة أناهيد السميري جزاها الله خيرا ونفع بها http://tafaregdroos.blogspot.com

الاثنين، 25 ديسمبر 2023

ما "الواجب" على العامي عند اختلاف العلماء في مسألة؟

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


المؤمن "العامي" مُكلّف


العامي في الإسلام ليس فاقدا للعقل، وليس جاهلا، وليس إمعة وتابعا أعمى لأي أحد كان، مهما كان (ما عدا الله جل جلاله ورسوله  المبلغ عنه سبحانه)


وإنما هو "مؤمن" عامي، و"تقي" عامي > إن أراد أن يلقى الله تعالى مؤمنا وتقيا.


ولهذا هناك جزء من العلم الشرعي (وهو ليس بقليل) يجب على "العامي" وجوبا أن يتعلمه






وهذا العلم من أجل أن  يصلح به:


- اعتقاداته (أفكاره وقناعاته في جميع أمور حياته، ما يتعلق بالآخرة، وما يتعلق بالدنيا)

- ومشاعر قلبه (اتجاه الله تعالى، واتجاه نفسه، واتجاه أصناف البشر، واتجاه أمور الدنيا المختلفة.... فهذه المشاعر هي عبوديات القلب، وهي أساس الأيمان، وإذا فسدت تحولت إلى شركيات القلب، وكفر القلب، ونفاق القلب، وكبائر القلب)

- وكلامه (في العبادات، وفي معاملاته مع أصناف البشر، في أحواله وأحوالهم المختلفة)

- وتصرفات جوارحه (أيضا في العبادات، وفي معاملاته مع أصناف البشر، في أحواله وأحوالهم المختلفة)


بعض التفصيل:


- يحتاج أن يتعلم تفاصيل التوحيد والشرك وأركان الإيمان

- والطهارة والعبادات التي يمارسها يوميا

- والزكاة والصيام والحج حينما يفرضون عليه

- وأحكام اللباس والركوب وتفاصيل أعماله اليومية (كيف يأكل؟ كيف يشرب؟ كيف يدخل الخلاء؟.... الخ)

- والحقوق التي عليه اتجاه أنواع البشر، وكيفية أداء هذه الحقوق بالتفاصيل الشرعية

- وفقه الاولويات عند تعارض الحقوق

- والمعاصي والكبائر القلبية والجارحية

- وفقه التوبة منها وما يتعلق بمداخل الشيطان وكيفية جهاده

-ويتعلم فقه أي موضوع يدخل فيه (فمن أراد التجارة وجب عليه أن يتعلم أحكام التجارة، ومن أراد الزواج وجب عليه أن يتعلم أحكام الزواج... الخ)


ومن أجل كل هذا يحتاج أن:


- يتعلم معاني القرآن ويتدبره آياته

- يقرأ أحاديث السنة ويتدبرها قولا وعملا

- يقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه، حتى يقدر أن يتخذهم قدوة في أدق التفاصيل التي يصعب تعلمها نظريا دون قصص وقدوات

- يحضر الدروس التي تعلمه النقاط السابقة

- يتدارس ما يتعلمه ويتدبره مع إخوته في الله

- يصاحب الصالحين الذين يعيش معهم التعاون على البر والتقوى والتناصح والقرب وإزالة الكلفة، ليكونوا مرايا لبعضهم

- وإذا تعرض لموقف، أو عرض له سؤال، أو اختلف مع أحد في أمر... الخ، وجب عليه أن يبحث عن حكم الله تعالى في هذه المسألة، بالبحث في فتاوى العلماء (خاصة المدعمة بالأدلة والنصوص)، أو سؤال أعلم وأتقى من يستطيع الوصول له

والعبرة ليست بقول العالم مجردة، وإنما يجب عليه الآن أن يدرك أنه لكي يكون مؤمنا، يشترط أن يكون باحثا عن حكم "الله" تعالى، الحاكم وحده، الملك وحده جل في علاه في هذه المسألة، وليس مجرد رأي فلان أو فلان:


{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى "اللَّهِ وَالرَّسُولِ"

إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}


- والدعاء الذي لا ينفك عنه المسلم، وما يتيسر له من أذكار ورقى

- .....


ثم يجتهد في العمل بكل هذا قدر استطاعته، حسب أولويات العمل في كل موقف.







لكم أن تتخيلوا كم من الوقت والجهد يحتاج المسلم "العامي" أن يعطيه لتعلم دينه، وبشكل مستمر ملازم له طوال حياته.. حتى يلقى الله تعالى عاميا "مؤمنا"، وعاميا "تقيا"

فيدخل جنته.. وينجو من ناره

فالإسلام والإيمان والتقوى.. ليست شعارات يحملها العبد، وليست دعاوى، وليست مجرد انتساب يفرض على الإنسان منذ ولادته.. ويظن أنه سيلقى الله تعالى عليه مهما كان حاله!

وإنما المسلم، أو المؤمن التقي: هو من جعل تحقيق الإيمان والتقوى همه

فعمل لهما، ولازم جهاد نفسه من أجلهما - مع ما سيقع فيه يقينا من أخطاء أو تقصيرات أو ذنوب، هو حريص على محاولة إصلاحها دائما، أو التوبة منها، أو تعويضها بكثرة الاستغفار والحسنات... الخ.

{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ "تَعْمَلُونَ"}



والآن نأتي إلى السؤال الأساسي الذي نريد إجابته في هذا المقال:


إذا اختلف العلماء في مسألة

ماذا يفعل المسلم العامي؟


توضيح: الإجابة المفصلة التي نضعها هنا مصدرها: كتب أصول الفقه (ومنها الواضح في أصول الفقه لعمر الأشقر)، وتوضيحات العلماء كابن عثيمين وابن باز رحمه الله وغيرهما، وإجابة مفصلة للشيخ خالد المصلح نضعها في هذا الرابط

https://m.youtube.com/watch?v=5Pj0F9kntrg



ج: حينما يختلف العلماء في مسألة، أو يسمع العامي رأيين لاثنين من المنتسبين للعلم في مسألة، فإنه يجب عليه أن يسير على الخطوات التالية:


أولا: أن يسأل ويبحث: هل هذه المسألة من المسائل المحكمة، التي عليها "نصوص" واضحة في الكتاب والسنة؟

أي: نصوص ليست منسوخة، ولا مجملة تحتاج إلى تفصيل، ولا مبهمة تحتاج إلى بحث دقيق من عالم لكي يُفهم معناها؟


فإن كانت محكمة وعليها نصوص واضحة يفهمها كل أحد - حتى الجاهل - ووجد هذا العامي أحد العلماء موافق لهذه النصوص والآخر مخالف لها، فهنا يعلم أن ذلك المخالف كلامه باطل قولا واحدا، وغالبا سيكون مبتدعا أو داعيا إلى ضلال، لأنه لا يخالف النصوص الواضحة المحكمة في القرآن والسنة إلا من في قلوبهم زيغ (كما في آية آل عمران 7)


ثانيا: أما إن كانت هذه المسألة ليست نصوصها واضحة، وإنما تتجاذبها نصوص يبدو عليها التعارض، أو يُمكن أن تُفهم بطريقتين، أو أنها مسألة جديدة نازلة ليس عليها نصوص بذاتها وتحتاج إلى قياس... فهذه هي المسائل التي يسميها العلماء "مسائل الاجتهاد"

أي: المسائل التي يجوز للعلماء أن يجتهدوا فيها، فإذا كانوا صادقين وأصابوا لهم أجران، وإذا أخطؤوا فلهم أجر كما أخبر النبي .


✅ هنا يجب على العامي أن يبحث الراجح بين هذه الأقوال المختلفة (هذه هي الإجابة، هذا هو الواجب عليه شرعا، أن يبحث عن الراجح بين أقوال العلماء الذين اختلفوا في مسألة من مسائل الاجتهاد

لأن الله تعالى واحد، وحكمه في المسألة واحد، ولكنه قدر أن تكون هناك مسائل مشتبهة تحتاج إلى بحث واجتهاد، كجزء من اختباره سبحانه لنا أجمعين - علماء وعوام - ليختبر تقوانا وبذلنا للجهد وصدقنا... الخ-)


وكما قلنا: ليس العامي في الإسلام فاقدا للعقل أو القدرة على الفهم والبحث، ولكن طريقة البحث هي التي تختلف باختلاف قدرات الناس.










ثالثا: كيف يبحث العامي عن الراجح في هذه المسألة الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء؟


(1) إن كانت لديه قدرة على القراءة، والوصول للأدلة من القرآن أو السنة أو فهم الصحابة وتطبيقهم لهما، أو الاستماع لأدلة الطرفين ومقارنتهما وإدراك الأقرب للأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة منهما...

◀️ *وجب عليه الترجيح بين القولين وفقا لذلك* ▶️


(فأنت أيها العامي غير مطالب هنا بالبحث في المسألة كالعلماء والخروج بقول ثالث! وإنما أنت لن تخرج عن أقوال العلماء، كل ما في الأمر أنك ستستعرض أدلة الأقوال وتبحث عن الأقرب لحكم الله تعالى منها)


(2) (((إن عجز))) عن الخطوة (1) فالترجيح لا يقتصر فقط على النظر للأدلة، لكن يعمد إلى كل سبيل يكون مقويا (شرعا) لأحد القولين:


أ- مثل كثرة القائلين لأحد القولين وقلة القائلين للآخر

ب- أو درجة علم كل واحد من الطرفين

ج- أو درجة تقواه وعمله بالعلم الذي يعلمه


وهذا عند العجز الحقيقي، وليس عند التهاون أو الكسل أو التخاذل عن البحث والمحاولة الجادة.. فهذا تقصير يخرج العبد من دائرة العذر، ويأثم على كل تقصير يقع منه نتيجة جهله بدينه في هذه المسألة.




(3) (((إن عجز))) عن ذلك، واستوت عنده جميع المرجحات بين الطرفين، فللعلماء أقوال في هذه الحالة:


أ- منهم من قال يسأل عالما ثالثا

ب- ومنهم من قال يختار هو ما شاء من القولين

ج- ومنهم من قال يأخذ بالأيسر

د- ومنهم من قال يأخذ بالأحوط

هـ- ومنهم من قال يأخذ بالأشد

و- ومنهم من قال يتوقف ولا يأخذ بشيء من هذه الأقوال

... وغيرها


رجح الشيخ المصلح مثلا من هذه الأقوال أنه يأخذ بالأيسر


مع التنبيه إلى أنّ هذه حالة نادرة جدا! (أن تكون المسألة غير محكمة وغير واضحة النصوص، ويكون العلماء اختلفوا فيها، ويكون هذا العامي عجز عن فهم أدلة الطرفين، وعجز عن معرفة الأعلم والأتقى منهما، وعجز عن معرفة أي الطرفين علماؤه أكثر عددا، وعجز عن التمييز بين المسألتين - بعد الصدق والبحث والتحري - بأي نوع من الترجيح!!!) فلم يبق إلا أن يختار أحد هذه الاختيارات!!

هذه حالة نادرة جدا عند الصادق، وهي حالة لا تنفك عن الباحث عن هواه!! نسأل الله العافية.


ثم نبه الشيخ إلى عدة تنبيهات:


1- مرة أخرى أننا هنا في الخطوة (3) نتكلم عن هذه الحالة التي (((عجز))) فيها العامي عن الترجيح (بعد الصدق وبذل الجهد) بين الأدلة، أو أحوال العلماء... الخ، وليس له أن يقفز إلى هذه الخطوة وهو لديه قدرة على ما قبلها.


2- أن الأيسر ليس المقصود به ما يوافق رغبة الإنسان وهواه وشهوته ورأيه الشخصي...، وإنما كلمة الأيسر موجهة للشخص الذي نيته أنه يريد الحق مهما كان، يريد حكم "الله عز وجل" في المسألة، ما يرضي الله تعالى، ما يوافق حكمته ورحمته جل في علاه.

أما الباحث عما يوافق هواه أو رأيه الشخصي >> هذا من يسمى متتبع الرخص

والذي قال عنه العلماء: من تتبع الرخص تزندق! يعني لا يفعل هذا إلا الزنديق الضال عن طريق الله تعالى.


3- تأصيل آخر لمسألة الأيسر: أن النبي ﷺ كان يختار الأيسر في دائرة المباح، وليس الأيسر عند الاختيار بين مباح وإثم!

في الحديث: "ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ  بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه" [متفق عليه]


فالإثم وإن كان أيسر في الظاهر، ولكنه أشق بالنظر لعاقبته ومآله وما يترتب عليه من الفساد في الدنيا والآخرة.


(4) إن اختار هذا العبد الأحوط، فإنّ هذا ما يوافق أحاديث النبي ﷺ، وهو يدل على ورع وخشية من الله تعالى


قال  : "إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه،

ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ ، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشكُ أن يرتعَ فيه،

ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ، ألا وإنَّ حمى اللهِ محارمُه" [متفق عليه]


وقال ﷺ : "دعْ ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ" [صحيح الترمذي]


ولكن هنا ننبه تنبيها مهما:


الذي يختار الأحوط فإنه يختاره لنفسه هو فقط!

لا يجوز له أن يفتي الناس بالأحوط (وهنا نتكلم عن العامي، أو حتى طالب العلم غير المجتهد - الذي لم يصل لدرجة الاجتهاد)

ولا أن يفرض هذا الأحوط على غيره (حتى أولاده أو زوجه... الخ)

لأنه هنا قد يشق عليهم بما لا يستطيعون، أو بما يبغضهم في الدين وينفرهم منه

يمكن له أن يحثهم عليه، ويحببهم فيه، لكن لا يفرضه عليهم على أنه هو الراجح في المسألة!

وأيضا لا يجوز له أن ينقل لهم الأيسر على أنه هو الراجح في المسألة، لأنه قد يحثهم على التساهل وعدم التقوى.. وإنما يبين لهم أن هذا ما تبين له هو بسبب جهله في المسألة.


فإن أراد الحكم لغيره وليس لنفسه، إما أن ينقل لهذا الغير فتاوى العلماء ويتركه يختار

أو أن يجتهد له فيبحث له عن الراجح على الحقيقة، فيعطيه الراجح بعد البحث والتحري.


☀️وليعلم كل عبد أن الله تعالى يتعامل مع صدقك، يتعامل مع قلبك

فإن طلبت في قلبك رضا الله تعالى بصدق.. وبذلت جهدك في ذلك.. يسّر الله تعالى لك ما يرضيه.

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}



انتهى بحمد الله تعالى.. نفع الله تعالى به🌿

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية