كثيرا ما نسمع هذا الطرح مؤخرا في الكلام عن المشاكل الأسرية، وغالبا ما يُوجّه الكلام للمرأة (الزوجة، والأخت...) ولكنه أيضا يوجه للرجل:
✋🏽⚠️ لا تثقل الطرف الآخر بمطالباتك، لا تكن لحوحا، أعط الطرف الآخر مساحة، دعه هو لوحده يشتاق ويأتي، لا تشعره بالإلزام واللوم والعتاب الذي ينفره من البيت، انشغل أنت بحياتك، فلتكن لديك اهتمامات غير الطرف الآخر، لا يكن الطرف الآخر هو مصدر أمانك، استغني بنفسك، أو استغني بربك، حقق السكينة بنفسك ثم شاركها مع شريكك، لا تكن شخصية مسيطرة، لا تطالب الطرف الآخر بإشباع احتياجك.. إنما أنت الفارغ، فاملأ احتياجك بنفسك ثم شاركه لحظات السعادة...... الخ
وهذا الكلام (كالعادة!) آت من ثقافة الكفار، الذين يواجهون مشاكل في حياتهم، ويحاولون حلها من عقولهم، بلا مرجع، ولا هداية، ولا رب يعلم ما يصلح نفوسهم... وقد ينطلقون من طرف إلى نقيضه تماما (يعني من إفراط إلى تفريط، أو من تفريط إلى إفراط!) فتكون النتيجة أنهم "قد" يحلون مشكلة، ويتسببون بمشاكل!
والحقيقة أن جزء من هذا الطرح صحيح..
✅ والجزء الصحيح فيه هو: أنه يجب أن يكون "الله ﷻ" هو الملجأ الأعظم الذي يشغل حيز الحاجة في قلب كل مسلم (وهنا الزوجين، أو الأخين، أو الصديقين... الخ)
"توحيد" التوكل والرجاء والمحبة... يجعل المشاعر مدركة أنه لا رزق يأتي إلا من الله سبحانه، وأن البشر لا يملكون أن يعطونا شيئا..
إلا أن يشاء الله ﷻ أن يعطونا إياه
وهذا يجعلنا نترجم عطاياه سبحانه ومنعه ترجمة صحيحة، فنحاسب أنفسنا ونجتهد لإصلاح قلوبنا وجوارحنا، تائبين من عيوبنا وذنوبنا وظلمنا..... مستنزلين بذلك رحمته وعطاياه
وهذا التوحيد هو ما خلقنا لتحقيقه، وهو ليس أمرا سهلا، وإنما هو انقلابة تامة في منظومة القلب، فيحتاج إلى علم كثير وتفصيلي، وتفكر، وتدبر، وزمن، وصبر...
☀️ ولكن...
لن يصل أحدنا مهما كان توحيده وإيمانه.. إلى أن يصبح (غنيا) تماما!
لأن الغنى التام وصف لله ﷻ وحده
والكمال وصف لله ﷻ وحده
.....
أما نحن.. فعبيد ضعفاء
فقراء بالفطرة
ناقصين
مليئين بالعيوب التي نحن مختبرون بها
(وهذه الحقائق غائبة تماما عن غالب الناس في زماننا، بسبب انتشار الكبر
🔻حيث يفترضون في أنفسهم الكمال.. والقدرة على الغنى التام!
🔻ويطالبون من يتعاملون معهم بالكمال - فيما يريدون منهم الكمال فيه -
ويطالبونهم بالغنى.. حين يكون هذا الغنى يشبع أهواءهم)
والصواب (بعد تحقيق التوحيد الذي ذكرناه)
هو وجوب تقبل كل واحد من الطرفين:
لحقيقة أنه ضعيف "محتاج" للآخر..
وأن الآخر ضعيف "محتاج" إليه..
🌾 وهذه الحاجة.. لا تعيب أيًّا منهما!
بل هي جزء من خلقتهما
ما دام ليس أيا منهما إله!! (لا إله إلا الله!)
فلا يأنف أحدهما من أن يظهر هذه الحاجة (بعد ضبطها بالتوحيد، حتى لا يكون توكل قلبه على الآخر في إعطائه ما يحتاجه)
ولا يحتقر أحدهما الآخر عند إظهاره الحاجة إليه في موقف، بل يتذكر أنه هو كذلك يحتاجه في مواقف أخرى...
ويفرح كل منهما أن جعل الله ﷻ حاجتهما عند بعضهما
وألف بين قلبيهما
ورزقهما من "يهتم" لهذه الحاجة، ولا يحتقرها
ولا يؤذي صاحبها.. بسبب معرفته بحاجته!! (كحال اللئام!)
🍂 أما من يريد من الطرف الآخر أن يستغني ويكتفي بذاته... إلا حينما يوافق "مزاجه!" أن يعطيه!
فإنّ هذا بسبب ضعفه عن تحمل مسؤولية شريكه
وأنانيته
وانشغاله بأهوائه وما يحب هو أن يقضي وقته فيه
فيشعر بأنّ حاجة الآخر له.. عبء!
وثقل يعطله عن مشاغله!
ولو انتبه قليلا.. لوجد أنه (في اهتماماته التي تشغله) يمارس هذه الحاجة وإظهارها وربما الإلحاح بها..عند من جعل الله هواه بأيديهم!
ولا يعتبر هذا عبئا على الاخرين!
هو فقط يفترض في نفسه أنه مستغني ومتوازن - مقارنة بشريكه!
لأنه (مستغني) عن "نوع" الطلبات التي يطلبها الآخر منه
ولكنه غير مستغن أبدا عن اهتماماته التي قد (يذل نفسه!) عند أهلها.. لكي يعطوه إياها!
والحقيقة
لا أحد منا غني
و "المؤمن" "المتواضع" يدرك هذه الحقيقة تماما
🌿 فلا يخجل من ضعفه
🌿 ولا من إظهار حاجته لمن يحبهم
🌿 ولا يحتقرهم لإظهار حاجتهم له
🌿 ويسعى كلا الطرفين المتواضعين.. قدر استطاعتهما.. لإشباع حاجة الآخر
🌿 مع التذكر المستمر وتذكير بعضهما.. بحاجتهما لله تعالى أن ينزل عليهما عطاياه وبركته
🌿 وعلى أقل تقدير (عند المتواضع) حين يعجز عن إشباع حاجة الآخر في موقف ما...
أن يغمره بسيل الاعتذارات.. والمواساة.. وتطييب الخاطر
والكلام الطيب المتواضع
الذي يبين حقيقة حرصه على أن يكون في ظهره..
وحزنه لعجزه عن ذلك
فالكلمة الطيبة صدقة!
☀️ هكذا يتعامل "المؤمنون" مع بعضهم.
ومن لم يكن كذلك.. فيحتاج إلى عمل كثير لإصلاح فهمه للدين
وفهمه للتوحيد
وفهمه لحقيقة نفسه!
وفهمه لحقوق الناس.. التي سيُحاسب عليها من حسناته على القنطرة...
اللهم اجعلنا وأزواجنا من المؤمنين
وردنا والمسلمين إليك ردا جميلا



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق