من المفاهيم المتعلقة بكبيرة الكِبر
موضوع (المثالية + والاعتذار)
🔸فإنّ من آثار الكبر عند الإنسان، وفي نفس الوقت من مسبباته
نظر المتكبر لنفسه بعين المثالية والكمال
ورغبته في أن ينظر الناس إليه بعين المثالية والكمال
(وجهات الكبر مختلفة عند الناس: فمنهم من تكون رغبته بأن ينظر الناس إليه بعين المثالية في عقله وحكمته، ومنهم في شكله وجماله، ومنهم في ماله وسُلطته، ومنهم في جمال شخصيته ومرحه، ومنهم في محبة الناس له، ومنهم في علمه، ومنهم في "عبادته"!، ومنهم في طريقة إلقائه وشرحه......... الخ، وهناك من رغبته بالمثالية في أكثر من أمر، ومنهم من رغبته بالمثالية مطلقة في كل شيء!)
وكله كبر، وكله مهلك، وإن كان الناس فيه درجات.. ولكن لنتذكر أنّ "ذرة واحدة منه" تحرم من دخول الجنة!
فالمتكبر "مقتنع" أنه مختلف، ومميز
⚠️وهنا يجب أن نُحرّر هذا المفهوم: فهو لا يرى نفسه مختلفا بمعنى مثلا: أن يكون طبيبا وسط أصدقاء ليس فيهم طبيب غيره، فهو مختلف عنهم، هذه بديهية الجميع يعلمها، أو أن يكون لديه مال أو جمال وسط مجموعة أقل منه جمالا ومالا... فهو مختلف عنهم بالتأكيد..
هذه معلومة يعلمها هو، ويعلمونها هم
فليس هذا هو الكبر!
وإنما الشعور (والقناعة) الذي يجعل الشخص متكبرا بكونه مختلف يدور حول شيئين:
1️⃣ نسبته هذا الاختلاف إلى نفسه.
بمعنى:
هو لا يشعر أنّه مختلف لأنّ الله تعالى هو الذي أعطاه نعمة لم يُعطها لهم، وأنّ الله تعالى أعطاه هذه النعمة ليختبره بها، وأنّه سبحانه لم يعطها له لأنه مميز! أو لأنه يستحقها! أو لأنّ الله تعالى راض عنه أو يحبه!!
وأنّه قد يفشل في هذا الاختبار ويُعاقبه ربه، وأنّ هذه النعمة قابلة للزوال بمنتهى السهولة! وأنّه سيُسأل يوم القيامة عن هذه النعمة التي لم تكن ملكه أصلا، وسيُحاسب على ما فعل فيها...
هذه (مشاعر المؤمن) ليست هي التي عند المتكبر...
(وهنا ننبه.. قد يكون الشخص حافظا لهذا الكلام، ويرى نفسه مقتنعا به، ولكن في الحقيقة ليست هكذا مشاعره، فالتعويل على المشاعر - التي هي عمل القلب، وثمرة القناعات الحقيقية -)
وإنما شعوره: إمّا أنّ هذه الصفة - التي يتكبر بها - هي وصف ثابت له، جزء من كينونته، لا ينفكّ عنه، هو هكذا، هو وهذه الصفة متلازمان.. لأنّه مميز، لأنه مختلف!
أو أن يكون لدى "شعوره" نوع إدراك أنّ الله تعالى هو الذي أعطاه هذه الصفة، ولكنه يشعر أنّه سبحانه أعطاه إياها لأنّه مميز، لأنه مختلف، لأنّ الله تعالى يحبه أو راض عنه!
أو أن يكون شعوره أنّ الله تعالى أعطاه إياها ليختبره، ولكنه يشعر باطمئنان تام أنه ناجح في هذا الاختبار، ولا يخطر بباله أن يتابع نفسه وينظر: هل هو يشكر عليها كما ينبغي أم لا! هل هو ينسبها لنفسه أم لربه! هو لا يخطر بباله هذه الأمور، لأن فيه اطمئنان أنه على صواب، أنه لن يخطئ، فبالتأكيد سيفرح يوم القيامة بحساب ربه له..
فالمتكبر يرى نفسه مختلفا.. لأنه هو مختلف، هذا أمر ثابت فيه، هو مستواه أو مكانته أو ما يستحقه من احترام أو تقدير أو تعظيم أو حتى أداء للحقوق... أعظم من غيره.. لهذا تركيزه على حقوقه وما يجب على الناس فعله معه أكبر بكثير من تركيزه على حقوقهم هم عليه، أو حاجاتهم منه (تطفيف)
2️⃣ فرحه بهذا الاختلاف
فقناعة المتكبر بكونه مختلفا ليست مجرد معلومة تقريرية لوضع جعله الله تعالى فيه، وإنما هي نشوة، سبب للفرح والبهجة، وكلما تلمس هذا الاختلاف والتميز، أو كلما استطاع إثباته للناس، أو كلما تلمس في نظراتهم وتصرفاتهم إدراكهم لتميزه واختلافه.. ازداد نشوة وسعادة!
هاذان الأمران هما المقصودان في كون المتكبر "مقتنع" أنه مختلف ومميز
🔸فهو ينظر لنفسه بعين المثالية والتعظيم (في أمر من الأمور)، ويريد من الناس أن ينظروا له بعين المثالية والتعظيم، ويحزن حينما ينظرون له على أنه (عادي!)، مثله مثلهم، أو يعاملونه كما يعاملون أي أحد، أو يعاملونه كما يُحبون هُم أن يُعامَلوا..
ناهيك عما يمكن أن يشعر به إذا نظروا له على أنه أقل من غيره!
🔸ومن آثار هذا الكبر، عدم رؤية هذا المتكبر لعيوبه، أو لأخطائه، أو لتقصيره في حقوق من حوله، أو حتى لظلمه لهم (مع التنبيه إلى أنّ هذه الألفاظ عامة جدا، ويدخل تحتها آلاف التفاصيل التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها، فكم من أخطاء يجهل الناس أنها أخطاء، وكم من تفاصيل ظلم لا يراها الناس ظلما أصلا!)
فهو أصلا لديه شعور غامر يملأ قلبه - ويعميه - أنّه مميز، ولديه نوع تعداد مستمر بداخله لمميزاته، وحقوقه، وأخطاء الناس في إعطائه هذه الحقوق (إن كانت فعلا حقوقا أو مما يتخيل أنه من حقوقه)، وسوء حظه في وجوده وسط أناس لا يقدرون عظمته وتميزه...
هذه هي أنواع الأفكار والمشاعر التي تشغله وتدور بداخله...
فلا يوجد مساحة أصلا ليفترض أنه قد يخطئ، أو يظلم، أو يُقصّر!
وإن وُجدت المساحة.. وقدّر الله تعالى أن يخطر هذا الأمر على باله، أو أن ينبهه أحد عليه، أو أن يشتكي أحد منه...
فإنّ مشاعر الكبر الغامرة بداخله.. تدافع هذا الانتباه بقوة!
وتسرد عليه منظومة التعظيم والمثالية والحقوق التي يكررها في نفسه باستمرار!
فلا يخرج من كل هذا إلا بمزيد تأكيد على روعته وتميزه
وبمزيد حنق على الناس الذين انتقدوه.. وتذكر لأخطائهم وعيوبهم
وبمزيد شعور بالهضم والظلم بوجوده وسط أناس (عميان!) عما يستحقه من احترام مختلف وتعظيم!
وقد يكون (بسبب تلك المملكة الوهمية التي بناها بداخله في تفسيره للحياة والكون ونفسه والناس!) يرى بعض هذه الأخطاء التي ينتقده الناس عليها..
مميزات!
قد يكون يراها محاسن.. أمورًا إيجابية كما يقولون!
ويستغرب جدا كيف ينتقده الناس على فعلها!
فيزيد حنقا عليهم.. وشعورا بالتميز عليهم!!
🔸ومن آثار كل ذلك.. عدم اعتذار المتكبر عن أخطائه في حقوق الناس
وأهون حالات الكبر بالنسبة لهذا...
أن يرى المتكبر الخطأ، ويثبت عنده أنه خطأ، ولا يستطيع أن يوهم نفسه بأنه ليس بخطأ
ويعترف لنفسه أنه مخطئ...
ولكن "كبره" يمنعه من الاعتذار!
لماذا!؟
لأنه يظنّ أن هذا الاعتذار سيقلل مكانته عند من اعتذر إليه، أو يقلل مكانته عند الناس
فهو يعلم أنه مخطئ، وربما يستغفر أو يدعو لمن ظلمه وأخطأ في حقه، ولكنه لا يريد لنظرة هذا الإنسان أن تتغير اتجاهه، أو أن يراه (غبيا بتصرفه! مثلا) أو (أن فيه هذه الصفة أو هذا الخُلُق السيء!) أو (أنه تعمد القيام بهذا الأمر الشرير البشع...!)... الخ
🔅ونوجه الكلام الآن لمثل هذا النموذج:
أولا: يجب أن تعرف أن منظومة الصواب والخطأ عندك مشوهة بسبب الكبر (وهو كل التفاصيل التي ذكرناها في الأعلى) وبالتالي رغبتك بأن تكون مثاليا أو غير مخطئ أصلا... خطأ!
والحقيقة: أنك عبد، ضعيف، خطاء، ناقص، مقصر...
وهذه الصفات ذاتية فيك! لا تنفك عنك ولا عن أحد من الخلق بأي حال من الأحوال!
ونسيانك لهذا، ورغبتك بأن تظهر مثاليا أمام (زوجتك، أو زوجك، أو أبنائك، أو إخوانك، أو والديك، أو زملائك، أو رئيسك، أو مرؤوسيك........) أمر معيب! لأنه ليس دليلا على شيء إلا أنك إنسان غير واقعي، وتعيش في الوهم، وأنت فرح بهذا الوهم الذي تعيش فيه!
قال ابن عبد البر رحمه اللّٰـه: إعجاب المرء بنفسه، دليل على ضعف عقله. [جامع بيان العلم وفضله (١/١٤٣)]
ثانيا: بالتأكيد (المتكبر أو غيره) يستطيع أن يحصل على إعجاب فئة من الناس بسبب (كبره، أو كذبه وخداعه، أو ثقته بنفسه! - التي حقيقتها مضادة للتوكل والتوحيد -... الخ)
فنحن في اختبار {وما أكثرُ النّاسِ ولو حَرَصْتَ بِمُؤمنين}
ولكنه سيفقد إعجاب ومحبة (1- المؤمنين على الحقيقة 2- الصادقين 3- المتواضعين 4- وحتى العقلاء المنصفين ولو كانوا كفارا!)
وهذا حال الدنيا، لا يوجد أبدا من يحصل على إعجاب الجميع، أو محبة الجميع، أو نظرة الجميع له بأنه مميز أو عظيم!!! ولا أحد!
حتى أشد الناس تميزا!
حتى سيّد البشرية ﷺ!! لم يحصل على إعجاب الجميع ومحبة الجميع!
بل حتى رب السماوات والأرض جل في علاه!!!
فهذا من الأمور التي توجد في خيال المتكبر (وغيره) فقط!
أنه قد يصل من العظمة والتميز إلى أن يعجب به كل الناس! على اختلافاتهم...
ولكن هذا غير موجود في الدنيا.
إذن.. الذي بيدك أن تفعله (يا من تخاف من الاعتذار)
هو أن تختار الفئة التي تريدها أن تعجب بك، أو تحبك..
ولن تكون مختلفا عن أي أحد آخر! فأنت مثل جميع البشر
كل واحد منا يختار الفئة التي يريد أن ينتمي لها
ويحصل على محبتها وإعجابها (وإعجابها ليس المقصود به تمييزها وتعظيمها له! وإنما ميلها لهذا العبد، وتوافقها معه، ورؤيته بعين أنه فيه صفات جميلة تستدعي رغبتها بالقرب منه والتعامل معه)
فإما أن تختار أن تكون هذه الفئة هي فئة (العقلاء، المنصفين، المؤمنين، الصادقين، المتواضعين)
أو أن تكون هذه الفئة هي فئة (المتكبرين، أو الكذابين، أو الحمقى، أو عمي البصيرة، أو المنافقين المتملقين....)
⚠️ طبعا نحن نُذكّر هُنا بجزء من الثمرات الدنيوية لاختيارك، ناهيك عما هو أهم من هذا وأعظم: أنّ اختيارك للاعتراف بخطئك، واعتذارك عنه، سيقربك من "محبة الله ﷻ" لك، ورضاه عنك، ونجاتك يوم القيامة من أنواع العقوبات، ودخولك الجنة!
خاصة وأنّ هذا الاعتذار يعتبر من حقوق البشر التي ستُحاسب عليها عند القنطرة، حين يأخذ كل صاحب حق حقه من حسناتك!
فإن اخترت فئة المؤمنين.. فاعلم أنّ (المؤمن على الحقيقة، المتواضع، الصادق...) حينما يعتذر منه أحد
فإنّ هذا الاعتذار يُترجم بداخله على أن هذا الإنسان:
🔹متواضع
🔹عاقل
🔹قد رأى عيوبه واعترف بها
🔹شجاع.. لم يهمه ما يقوله (غالب البشر عمي البصيرة) فيه..
🔹رغبته بالآخرة أعظم بكثير من رغبته بالمكانة في الدنيا
🔹منصف.. عادل.. يعترف بخطئه ويعتذر عنه كما يحب أن يعترف الناس بأخطائهم ويعتذرون عنها
🔹رجّاع للحق (أوّاب!) ولو أخطأ وزاغ، ولكنه يحب الحق ويرغب فيه، وحينما يُذكّر.. يَذكُر.
🔹وبالتأكيد.. ينظر له على أنه عبد ضعيف.. لأنه أصلا كان يراه عبدا ضعيفا! كما يرى نفسه عبدٌ وضعيف! وكما يرى جميع الناس عبيدًا ضعفاء!!
فكونه يعترف بخطئه أو يعتذر.. هو فقط واكبَ هذه الحقيقة ولم يُنكرها أو يعمى عنها!
هكذا يرى "المؤمن على الحقيقة" المُعتذر عن خطئه!
لهذا يزداد له احتراما ومحبة ورغبة في قربه.. وبالتأكيد مسامحته
(وبالتأكيد المقصود هو المعتذر عن خطئه على الحقيقة.. وليس من يحافظ على كبره وعماه.. ويقول بلسانه أنه آسف مثلا! فإنّ الصدق والخداع يظهران، ويدركهما غالب الناس بعد نوع معاشرة)
ولو حصل أنّ المُعتذر لم يحصل (في الدنيا) على هذه الثمرات، أو لم يسامحه من أخطأ في حقه، فيكفيه أن يتصف بصفة التواضع، وأداء الحقوق التي تجعل الله تعالى يحبه، ويقبل اعتذاره وتوبته، وينجيه من المهالك التي وعد بها المتكبرين، وقد تبلغ توبته من الصدق والقوة.. أن يحمل الله تعالى عنه حقوق الناس الذين لم يسامحوه! ويعوضهم يوم القيامة دون أن يخسر من حسناته شيئا!
🔸ونختم بربط نهاية الموضوع بأوله:
إنّ هذان الأمران (النظرة للمثالية، وعدم الاعتذار) يعتبران ثمرتان من ثمرات الكبر، وفي نفس الوقت هما سببان من مسببات الكبر
فإنّ من به نزعة الكبر، سينظر لنفسه بمثالية، ولن يعتذر عن تقصيراته وعيوبه
وفي نفس الوقت
حينما ينظر العبد لنفسه بمثالية، أو ينظر الناس له بمثالية، أو يُريهم في موقف ما مثاليته!
فإنّ هذا سيزيد كبره، ويزيد نشوته بتميزه واختلافه
وحينما يمتنع من الاعتذار، ليحافظ (بظنه) على نظرة الناس له!
فسيزيد شعوره بالمثالية، ويزيد نظرة الناس له (بظنه!) بالمثالية
فسيزيد كبره بالمقابل!!!
قد يكون هذا أحد أسباب أن ذرة واحدة من الكبر تحرم صاحبها من دخول الجنة!!
لأنه في الغالب لن يكون لدى أحد ذرة واحدة من الكبر فقط!!
لأنّ الكبر دائرة 🔄 كل خطوة فيها تعزز وتنفخ الكبر مرة أخرى!!
فما دام العبد غافلا عن قلبه، كارها للنصح والانتقاد، غير باذلٍ لجهده ووقته لإصلاح أمراضه...
سيظل الكبر يزيد وينتفخ بداخله! إلى ما لا يَحمدُ عُقباه!!
وسبحان الله..
القرآن (الذي هو كتاب الهداية الذي أنزله الله تعالى على عبيده... لمن تدبره وأسقطه على قلبه وحاله!)
يضع الأمور في نصابها
ويخرج العبيد من أوهامهم.. إلى الحقائق التي يعمون عنها!
وبالنسبة لما نتكلم عنه..
لا يزال القرآن يخبر من يقرأه (ويتدبره!) أنه عبد! ضعيف! خلق من ماء مهين!
جهول! ظلوم! جزوع! منوع!...
لا يملك أمر نفسه.. ولا أمر غيره!
فقير.. قد أنعم ربه عليه بكل نعمة قد يتصورها أو لا يتصورها في نفسه!
مُختبر بكل ما يملك! وسيُحاسب يوم القيامة على النقير والقطمير!!
فمن تدبر القرآن.. لا يمكن أن يظل غارقا في الوهم!
مستمتعا فيه..
سيخرجه هذا التدبر إلى رؤية الحقائق باستمرار.. حتى تنهدم مملكة الوهم بداخله!
🔸وفي النهاية.. أنت لك الاختيار
تريد أن تكون "المتكبر" الموصوف بكل تلك الصفات التي ذكرناها.. الذي لا يعتذر ويحاول أن يحصل بذلك على إعجاب وتعظيم الحمقى من الناس!
أم أن "تكسر الدائرة!" Break the loop
(بتدبر القرآن، والدعاء المستمر!، وصحبة من يتدبر معك القرآن، ويناقشك في إسقاطه على حالك وعيوبك! وترك صحبة من يزيدك كبرا ووهما! إن كانت صحبة واقعية أو من خلال وسائل التواصل)
فتخرج من مملكة الوهم التي قد تكون خدعت نفسك فيها لفترات طويلة..
وتبدأ "تزرع" في قلبك مملكة الحقائق..
مملكة التوحيد
مملكة (الرب والعبد) التي تعيشها في اختبار الدنيا!؟
اللهم علمنا وبصرنا وفهمنا
وأصلح قلوبنا وأعمالنا بلطف
وأمتنا وأنت راض عنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق