( 6) اسم الله التواب
إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد:[1]
فإن خيرُ
الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرُ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ s، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وَكُلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ وَكُلُّ بدعةٍ
ضلالةٌ، وَكُلُّ ضلالةٍ في النَّارِ [2]
يقول
الملك جل جلاله: { فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ
كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (37)} [3]
ويقول
سبحانه: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
[4]
من
أسماء ربنا التي اختارها لنفسه، واتصف بما تقتضيه من معنى يليق بكماله وعظمته
سبحانه، اسم التواب.
والتوبة
لغة: هي الرجوع من الذنب والمعصية إلى الطاعة. [5]
إن
كانت هذه المعصية قلبية، أو لسانية، أو جارحية، وإن كانت هذه المعصية مخرجة من
الملة كالكفر والشرك والنفاق، أو غير ذلك من أنواع المعاصي.
فما
معنى أن يكون الله تعالى توابا ؟
قد
استقرأ العلماء معنيان لاسم الله التواب سبحانه (الذي يوفق عبده للتوبة، ثم يقبلها
منه جل في علاه)
فالمعنى
الأول يظهر في قوله تعالى:
وَعَلَى
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ
مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ
عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (118) [6]
والمعنى
الثاني في قوله جل في علاه:
وَهُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
[7]
فالله
تعالى هو التواب الرحيم، الذي يحب توبة عبيده، ويفرح بها، حتى نعلم أن ربنا سبحانه
لم يخلقنا ليعذبنا، ولا يتعامل معنا بأدنى نوع من القسوة ولا الظلم حاشاه أرحم
الراحمين جل في علاه !
ولأنه
هو الموصوف بالرحمة والتوبة والإحسان سبحانه، فإن المعنى الأول لاسمه التواب، أي
الذي يفتح لعبده أبواب التوبة، ويسدده ويوفقه لها..
فالتواب
جل في علاه، ليس فقط هو الذي يقبل توبة عبده إذا رجع إليه.
وإنما
هو سبحانه يفتح له الأبواب التي تجعله يتوب ويرجع، بل ويعينه على توبته، بل ويسخر
له الأسباب التي تثبته عليها، ثم يقبلها منه سبحانه..!
لابد
وأن ندرك أن ربنا الذي خلقنا في هذا الاختبار، وجعل جزاءه الجنة أو النار، لا
يتعامل معنا بعدله أبدا (خاصة في الدنيا)
فإن
ربًّا:
- هو الذي خلقك من عدم
- وهو الذي أعدك بالنعم والإمكانات حتى تعبده بها
- وهو الذي أعطاك من النعم والتيسير وتسخير مافي
السماء والأرض أكثر مما تحتاجه لخوض هذا الاختبار بكثير
- ثم هو الذي أرسل لك رسله تترا
- وأنزل لك كتبه ليعلمك بالتفصيل كيف يحب أن تعبده
- وجعل شرائعه لك موافقة للفطرة التي فطرك عليها،
حتى تعيش رحمته وحكمته من خلالها
- وكلفك أقل من طاقتك بكثير
- وقبل منك الرخص إذا اشتدت عليك أوامره
- وجعل أساس تعامله معك أن الحسنة بعشر أمثالها،
والسيئة بمثلها
- ثم سخر لك من عبيده من يذكروك، وينصحوك، ويعظوك
كلما غفلت وابتعدت
- وبعد هذا كله ............
- إذا عبدته بالإمكانات والنعم التي هو أعطاك إياها ß قبلها منك ! وكافأك عليها
أعظم مما تتخيل...
- وإذا ضعفت وأخطأت وسقطت ß فتح لك باب التوبة والاستغفار، وهيأ لك الظروف لتتوب وترجع، وعلمك وفهمك وشرح صدرك... ثم قبل منك
توبتك، وغفر لك ذنبك الذي فعلته بنعمه ! وليس هذا فحسب... بل وفرح هو بتوبتك وهو
الغني عنك جل في علاه !
قال رسول الله s : " للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليه، من أحدِكم
كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامُه وشرابُه، فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في
ظلِّها قد أيس من راحلتِه، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامِها
ثم قال من شدةِ الفرحِ: اللهم ! أنت عبدي
وأنا ربُّك!!! أخطأ من شدةِ الفرحِ" [8]
لله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته..
فأي
رب رحيم هذا !؟
لماذا
يفرح الله تعالى بتوبة عبده !؟
هل
الله تعالى يحتاجنا !؟
هل
يحتاج إلى عبادتنا !؟
هل
توبة فلان ستزيد في عظمة الله تعالى أو ملكه شيئا !؟
هل
سينتفع الله تعالى من عودة فلان إلى طاعته !!؟
إننا
نتكلم عن الملك الغني سبحانه، الذي كان وحده ولم يكن شيء معه، وخلق الكون من عدم،
ولم يزده هذا الكون عظمة ولا ملكا، بل هو الملك أزلا، لم يزل ولن يزال ملكا عظيما
عزيزا غنيا متكبرا، بخلقه وبدون خلقه جل في علاه...
ومع
هذا..
لأنه
متصف بصفات الحسن
لأنه
اختار لنفسه أكمل وأعظم وأجمل الصفات...
هو
أحب أن يكون رحيما، فجعل رحمته تسبق غضبه
وهو
أحب أن يكون توابا.. ففتح لعبيده أبواب التوبة.. وفرح بتوبتهم رحمةً بهم، وإحسانا
عليهم، وهم العبيد الضعفاء الفقراء في مملكته جل في علاه.
والتواب
صيغة مبالغة، أي أنه سبحانه كثير التوبة والعفو، والغفران عن الزلات والعصيان، ولو
تكررت من العبد مرارا. لا يمل اللّه من التوبة على عباده حتى يملوا هم، أو يتمردوا
عن حالة العبد الذليل لمولاه، أو يقنطوا من رحمته سبحانه.
قال رسول الله s : " "إنَّ عبدًا أصاب ذنبًا فقال: ربِّ
أذنبتُ فاغفِرْ لي ! فقال ربُّه: أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ
به؟ غفرتُ لعبدي . ثم مكث ما شاء اللهُ ثم أصاب ذنبًا فقال : ربِّ أذنبتُ آخر
فاغفِرْه ؟ فقال: أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به ؟ غفرتُ لعبدي.
ثم مكث ما شاء اللهُ ثم أذنب ذنبًا قال: ربِّ أصبتُ آخرَ فاغفِرْه لي !! فقال:
أعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذُ به ؟ غفرتُ لعبدي، ثلاثًا ،
فليعملْ ما شاء" [9]
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللَّه
العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*** *** ***
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له
شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
أما بعد:
ما
هي التوبة التي يقبلها التواب جل في علاه، مهما تكررت من العبد !؟
للتوبة
5 شروط:
- الأول: الندم :
فإن عبدا ترك الذنب لسبب ما، دون أن يشعر في قلبه بالكسرة
والخجل والندم على أن فعل ما يغضب سيده ومولاه، الذي يغرقه بنعمه سبحانه، ليس
بتائب، إنما يريد الله تعالى قلب عبده، فهو الغني عنه، وعن طاعته، وعن تركه
للمعصية، إنما أراد قلبه المنكسر الذليل، الذي يقول له: عبد ضعيف مخطئ، إن لم
ترحمني سأهلك !
- الشرط الثاني: الإخلاص :
أن يترك العبد الذنب لله، وليس لصعوبته عليه، أو ليتجنب كلام الناس فحسب، أو لملله
منه مثلا...
- الشرط الثالث: الإقلاع :
فإن التوبة تعني التوقف عن الذنب والرجوع للطاعة.
- والشرط الرابع: العزم على عدم
العودة : وليست التوبة بأن أوقف الذنب الآن، وأنا أنوي
أن أعيده غدا.
- والشرط الخامس: أن تكون في زمن
التوبة : وهي قبل أن تغرغر الروح في البلعوم، وقبل أن
تخرج الشمس من مغربها.
هل
يلزم الإنسان أن يتوب عن كل الذنوب حتى تقبل توبته !؟ لا ،
إنما يقبل التواب من العبد توبته على قدرها، عن ذنب، أو ذنبان، أو أكثر.
فمن
لم يستطع أن يتوب عن ذنب ما ولا أن يعزم على عدم العودة إليه.. ماذا يفعل !؟
يكثر
من الاستغفار (بقلبه وبلسانه) فلعل الله تعالى بكثرة استغفاره وتذللـه... يفتح له
بابا إلى التوبة.
يقول
جل في علاه في سورة النصر { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ
كَانَ تَوَّابًا (3) }
السؤال
الأخير والمهم: ممَّ نتوب !؟
- نتوب من تقصيرنا في تعلم ديننا، فإن من لم يتعلم
دينه، فكيف له أن يعمل به بقلبه أو بجوارحه !؟
- نتوب من عدم تحقيقنا للتوحيد، الأمر الذي قد
يخلدنا في النار إذا متنا عليه.
- نتوب مما في قلوبنا من نقص الإيمان ( شكوك، وشبهات،
وسوء ظن بالله، وشدة تعلق بالدنيا وأهلها... )
- نتوب من أمراض قلوبنا (كبر، وحسد، وإرادة علو، وسوء
ظن، وتوكل على الذات، وجحود، وبطر... )
- نتوب من الغفلة، فإن غفلة العبد عن حقيقة
اختباره، تغلق عليه باب الخير من أوله، لأنه لن يتعلم دينه، ولن ينتبه إلى مافي
قلبه من أمراض، ولن يبذل همّه وجهده في إصلاح قلبه وجوارحه، إلا بالقليل الذي لن
ينجيه من الكُرَب في الدنيا والآخرة.
-
نتوب
من شدة تقصيرنا في شكر الله على نعمه (بقلوبنا وألسنتنا وجوارحنا) يقول سبحانه { ثُمَّ
لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) } [10]
- نتوب من تقصيرنا في فروضنا
- نتوب من معاصي ألسنتنا
- نتوب من معاصي جوارحنا
- نتوب من المجاهرة بالمعاصي، التي هي من المهالك،
فإن المؤمن يعصي ويستر نفسه لخجله من ربه، وبغضه لما يسقط فيه بسبب ضعفه، أما من يجاهر
فإنه يتحدى الله ! ويأخذ في ميزانه كل من تأثر بمجاهرته هذه إلى يوم القيامة.
هل
المؤمن معصوم !؟ هل وصل أحد من الناس (الصحابة ومن بعدهم) إلى أن أصبحوا مثاليين لا
يخطؤون !؟
ليس هناك عالم ولا طالب علم ولا شيخ ولا كبير ولا صغير إلا
وهو خطاء...
بل
إن العبد الذي يحبه الله تعالى لن ينفك عن كونه خطاءً، ولكنه خطاء يدخل على ربه كدخول
آدم عليه السلام عليه
{ رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } [12]
فالمؤمن
ذليل، المؤمن منكسر، المؤمن يعلم أنه عبد، جاء ليحقق العبودية للملك العظيم، ثم سيترك
هذا الاختبار ويعود إلى ربه. لهذا المؤمن لا يجاهر، المؤمن لا يستهتر بغضب الله، المؤمن
كثير الاستغفار، ودائم التوبة، المؤمن يبغض ما يفعله من ذنوب، ولا يبرر لنفسه ذنوبه،
أو يغير دين الله تعالى حتى لا يظهر بمظهر المذنب...
هذا هو الذي حقق العبودية التي يحبها التواب سبحانه، وليس
من ظن أنه معصوم، أو سعى لأن يكون كاملا مثاليا.. ولهذا عامله التواب بتوبته، فتاب
عليه، وغفر له، ورحمه، وستره في الدنيا والآخرة.
اللهم أيها التواب الرحيم، يامن تحب التوبة،
يامن تحب الستر، يامن تحب العفو، يامن تحب الإحسان، عبيد ضعفاء فقراء، نريد النجاة
في هذا الاختبار، وتغلبنا نفوسنا، وتغلبنا شياطيننا، وليس لنا سواك، اللهم عاملنا بعظيم
عفوك، وواسع رحمتك، وكثير توبتك، اللهم استرنا في الدنيا والآخرة، اللهم أصلح قلوبنا
بلطف، اللهم أعن جوارحنا على طاعتك، اللهم املأنا بالعبودية لك وحدك، اللهم علمنا عن
دينك، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، اللهم اجعل همنا رضاك، اللهم بعفوك ورحمتك وحلمك
ولطفك اعف عنا، وارض عنا، وأدخلنا جنتك بلا سابقة عذاب، فإنك انت أهل لذلك وأنت التواب
الرحيم، نحن وجميع آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين في كل مكان يا أرحم
الراحيم.
وأقم الصلاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق