الدروس والمحاضرات والمقاطع والكتب.....
ليست طريقا للهداية الحقيقية!
وإنما هي معينة على الهداية
معينة للمهتدي بعد أن يبدأ الهداية الحقيقية فعلا...
أما الهداية الحقيقية فلا تحصل (غالبا) إلا من خلال الحوار والنقاش
هذا هو الأصل
أن تُعرض حقائق الإسلام على كل إنسان بشكل فردي
ويُعطى فرصة للتفكير
ويُنصت له
ويُجاب على حيرته وشبهاته
وهو الأمر الذي يهرب منه "غالب الناس"!! في زماننا، ولا يريدونه (المتلبسين بلباس الاستقامة والعلم قبل غيرهم)!
إذن هم لا يريدون هداية حقيقية
لا يريدون صلاحا حقيقيا لقلوبهم وأهوائهم
هم يريدون أن "يشعروا" أنهم مهتدون!
دون أن يتعبوا في رؤية ما بداخلهم من أفكار ومشاعر
من حيرة، أو تساؤلات، أو شبهات، أو أمراض قلب.......
لا يريدون من أحد أن يجيبهم عليها، ولا أن يساعدهم في إصلاحها، ولا يريدون أن يصلحوها أصلا!
وفي الغالب يرفضون فكرة أنّ لديهم حيرة أو أمراض قلب!!
هذه ليست هداية حقيقية
وهذا ما يجعل الدعوة "الصحيحة" إلى الله تعالى
بطيئة النمو جدا في المجتمعات
بطيئة الخطى
(ولكن خطاها قوية وثابتة وواضحة... وأصحابها صادقون موقنون صالحون على الحقيقة)
لأن هذه الدعوة تعرض حقيقة الدين على كل إنسان لوحده، تتعامل معه على أنه مشروع ناجح (لوحده!) مشروع يحتاج إلى تركيز وجهد ورعاية خاصة.. حتى ينجح
لأنه شخص مكتمل (وإن كان طفلا! - والكلام هنا للآباء والأمهات والمربين)
لديه أفكاره الخاصة، ومشاعره الخاصة، وقناعاته وعاداته، ونقاط ضعفه وفهمه...
يحتاج أن يفهم، ويدرك، ويستوعب الحقائق، ويقتنع بها... فيصبح هو نقطة انطلاق جديدة ناجحة في هذه الدعوة
لأنه يتكلم عن قناعة تامة
وقلب ثابت
خال من الحيرة والشبهات وعلامات الاستفهام غير المجاب عنها!!!
وهذا ما حدث في دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، ولهذا ظل يدعو إلى الله 13 سنة في مكة، ولم يسلم معه إلا عدد قليل، ربما لا يزيدون عن 300 صحابي وصحابية!
ليس فقط لأن البقية معاندون
ولكن لأن كل واحد من هؤلاء كان يَعرض عليه الدين لوحده
في حوار خاص
أو يعرضه عليه أحد اهتدى قبله - كأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أو غيره -
ويجيب على أسئلته، ويبين له الأدلة والبراهين...
حتى إذا فهم واقتنع
صار بعدها يحضر دروس النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم وغيرها... فينتفع منها
لكن حتى يصل للهداية الحقيقية، كان لابد من محاورته والإنصات له وإعطائه فرصته الكافية للتفكير والفهم
أما نوع الهداية التي حصلت بعد ذلك (في الفتوحات الإسلامية)
وهي دخول الناس إلى دين الله تعالى أفواجا
(أو الهداية التي يراها الإنسان من نفسه بسبب أنه ولد مسلما، أو في بيئه فيها نوع دين)
فما معنى هذه الهداية؟ أو هذا الدخول في الدين!؟
📜معناه أولا: أنهم شهدوا الشهادتين، وقاموا بأبجديات الانتماء للمجتمع المسلم حتى لا يُحكم عليهم بالكفر (كالصلاة، وترك الممارسات الشركية العلنية)
📜ثانيا: أنهم حقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، ويعاملون - دنيويا - معاملة المسلمين
📜ثالثا: أنهم لن يدفعوا الجزية
📜رابعا: أنهم صاروا هم ودولتهم خاضعين لأحكام الله تعالى - في القضاء، في النزاعات، في تطبيق القوانين... الخ -
هذا هو معنى دخول الناس إلى الإسلام (دون نقاش ودون حوار خاص)
لكن بعد هذا الدخول للإسلام، فإنّ هؤلاء سينقسمون إلى قسمين - بينهما درجات كثيرة - (ربما ليس دنيويا في تعاملنا معهم، وإنما في حقيقتهم وتعامل الله تعالى معهم في الدنيا والآخرة)
القسم الأول: من يحسن إسلامهم
والقسم الثاني: من يكتفون بهذا الحد الأدنى من الإسلام، أو الحد المناسب لهم ولحياتهم وأهوائهم، أو الحد الذي يبقيهم مندمجين في المجتمع، ويُعاملون معاملة المسلمين، أو المؤمنين!
⛔وهؤلاء قد يكونون منافقون نفاقا أكبر - وهم يعلمون هذا
⛔وقد يكونون منافقون نفاقا أكبر - وهم لا يعلمون - بسبب وقوعهم في نواقض للإسلام (دون أن يشعروا، ودون أن يهتموا بفهم ذلك أو إصلاحه)
⛔وقد يكونون منافقون نفاقا أصغر، أو مشركون شركا أصغر، أو فاسقون أو ظالمون أو فاجرون... وهم يحسبون أنفسهم أنهم مسلمين صالحين، أو مؤمنين، أو أشخاص طيبين!
وكل هؤلاء يشتركون في أمرين:
1- أنّ ظاهرهم الإسلام، أو الإيمان، أو الصلاح، وباطنهم (أفكارهم ومشاعرهم.. وما يتبع ذلك من تصرفاتهم في خاصة نفسهم أو مع المقربين منهم) الكفر أو الظلم أو الفسوق... الخ.
2- وجميعهم مهملون في محاولة تحقيق الهداية الحقيقية (والتي تتم من خلال المدارسة، والحوار، والسؤال، والتفكير، والتبصر بما في نفوسهم من أفكار أو مشاعر تحتاج إلى فهم وإلى إصلاح)
وهذا الإهمال والعمى.. أوصل كل واحد منهم إلى ما قدر الله تعالى أن يصل إليه (كفر، أو ظلم، أو فسق... الخ)
هذا الصنف (إن كان دخل الإسلام، أو ولد فيه)
يريد أن يكتفي ببعض الممارسات التي تجعله يشعر بالاطمئنان أنه مؤمن (أو أنه تابع للسلف الصالح!، أو أنه موحد!، أو أنه طالب علم!!)
ولا يريد أن يتعب نفسه في ممارسات أكثر من ذلك
ولا يريد أن يتعب نفسه بتفكر
أو تركيز
أو تبصر بعيوبه وأفكاره ومشاعره
أو نقاشات مع أصحاب علم أو صحبة معينة
لا يريد أن يواجهه أحد بطريقة إصلاح تلك الأفكار والمشاعر، أو يلزمه بمجاهدة أهوائه...
لا يريد! هو في الحقيقة يهرب من هذا!!
هؤلاء يريدون الاكتفاء بذلك الحد الأدنى - الذي يناسبهم - من الدين
مع إقناع أنفسهم أن هذا الحد كاف لأكون في زمرة المؤمنين الناجين يوم القيامة
(لكي يطمئن، ويريح قلبه من سياط التأنيب والمحاسبة)
فهو يعيش على هواه - في كثير من أمور حياته -
وفي نفس الوقت يستمتع بطمأنينة من وُعد بالفوز يوم القيامة!
ما أجمل هذا الدين!
وما أروع هذه المشاعر!!!
(وهذا هو جوهر دين الإرجاء.. والأمن من مكر الله تعالى) الذي أقل أحواله أن يقال عنه أنه بدعة.. البدعة التي في الغالب لا يهتدي صاحبها! لأنه يرى أن قناعته هذه هي الدين الصحيح!
ولهذا حينما يأتيه أحد ينصحه بمخالفة هواه، أو يبين له خطورة غضب الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة، أو يبين له أنّ سبب ابتلاء الله تعالى له أو للأمة هو ذنوبه أو أمراض قلبه أو تقصيراته...
فإنه يحارب هذا الشخص.. ويصفه بالتشدد أو البدعة!
ويعاديه، ويشوه صورته عند الناس، ويحرص على أن لا يقتنع بكلامه أحد...
لأن الناس إذا اقتنعوا بكلامه.. سيظهر هو على حقيقته، وسيفقد (فقاعة الأمان!) التي كان يعيش فيها في مجتمعه
وسيضطر - على أقل الأحوال - أن يبدأ يركز ويرد على انتقادات الناس لحقيقته... الخ
والرد البسيط على مثل هؤلاء:
اعلموا.. أنكم لا تضمون أن تكونوا مسلمين أصلا!
وإن كنتم مسلمين.. فلا تضمنون أن تموتوا على الإسلام
وإن فرضنا أنكم متم على الإسلام - وهذا شيء لن تعرفوه حتى يحصل فعليا -
فلا تضمنون أن لا تكونوا حصدتم أطنانا من السيئات والكبائر (بسبب أمراض قلوبكم، أو ظلمكم، أو تقصيراتكم في الواجبات، أو فسوقكم...) والتي ستجعلكم تتعذبون كثيرا في القبر والمحشر.. والنار... قبل أن تخرجكم ذرة الإيمان التي من الله تعالى بها عليكم منها.
فإنكم - بسبب هروبكم من الهداية الحقيقية، التي لا تأتي إلا بالتفكر والتركيز والحوار والسؤال والمدارسة والفهم والاقتناع... - قد تكونون واقعين في ناقض من نواقض الإسلام وأنتم لا تعلمون - وغالب نواقض الإسلام قلبية.. لا جارحية!.
ومن باب أولى أن تكونوا واقعين فيما هو دون هذه النواقض
ومن أجل هذا المفهوم الذي شرحناه: أمرنا الله تعالى باتخاذ الصحبة الصالحة
والتعاون معهم على البر والتقوى
(وقد بيّن ابن القيم رحمه الله أن البر يعني غالبا أعمال القلب، والتقوى تعني غالبا أعمال الجوارح - الرسالة التبوكية)
وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه"
أي أنه يرى فيه ما لا يراه في نفسه، ويخبره عما فيه ويبصره به.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"
لكل أحد، وفي كل ما يصلح دين العبد ويقربه من ربه سبحانه
والنصوص والآثار كثيرة جدا
وكلها لا تتم إلا من خلال الحوار والنقاش والمدارسة والتفكر.
ومن أجل ذلك أيضا.. وصف الله تعالى المؤمنين المتقين الناجين يوم القيامة.. بأنهم الذين (يتفكرون، ويتدبرون، ويعقلون، ويفقهون)
ووصف غيرهم من الهالكين يوم القيامة - بشتى أنواعهم - بأنهم
(لا يتفكرون، لا يتدبرون، لا يعقلون، لا يسمعون!، لا يفقهون، لا يبصرون... الخ)
فالذي يظن أنّ الإسلام هو الشهادتين وبعض الأعمال الجارحية فقط! (صلاة، لحية - وحجاب -، وقراءة قرآن، وحفظ قرآن!، طلب علم، حضور دروس!، إعطاء دروس!!بعض الأذكار... الخ)
فليعلم أنه لا يعلم معنى الإسلام أصلا
وما دامت أنفاسه في الدنيا.. فلازال لديه فرصة أن يستيقظ، ويتوب من عماه، ويبدأ يتعلم ويحاور ويفهم ويسلك طريق الهداية
أما من يصر على أنّ الإسلام "أبسط!!" من ذلك
فلا طب له
ومثله مثل كل الذين (لا يعقلون) لن يروا الحقيقة إلا يوم القيامة
يوم لا ينفعهم ندمهم ولا استغاثتهم بأن يعودوا ليعملوا غير الذي عملوا
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق:
✨ الطريقة الأولى : أن يجلس بين يدي شيخٍ بصيرٍ بعيوب النفس ، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها ، وهذا قد عَزّ في هذا الزمان وجوده ، فمن وقع به ، فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه ..
✨ الطريقة الثانية : أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً ، وينصبه رقيباً على نفسه ليُنبِّهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله ..
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول : رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا ..
وقد كان السلف يحبون من ينبههم على عيوبهم ..
ونحن الآن في الغالب أبغض الناس إلينا من يعرفنا عيوبنا ، وهذا دليل على ضعف الإيمان ..
✨ الطريقة الثالثة : أن يستفيد معرفة نفسه من ألسنة أعدائه ، فإن عين السّخط تُبدِي المساويء ..
وانتفاع الإنسان بعدوٍّ مشاجر يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديقٍ مُداهنٍ يُخفي عنه عيوبه ..
✨ الطريقة الرابعة : أن يخالط الناس ، فكل ما يراه مذموماً فيما بينهم يجتنبه " .
[مختصر منهاج القاصدين]
ونقل عمر البزار عن ابن تيمية رحمه الله تعالى قال:
وكان لا يسأم ممن يستفتيه أو يسأله، بل يقبل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة، ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه..
كبيرا كان أو صغيرا، رجلا أو امرأة، حرا أو عبدا، عالما أو عاميا، حاضرا أو باديا...
ولا يجبهه، ولا يحرجه، ولا ينفره بكلام يوحشه، بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط.
[الأعلام العلية]
إنّ من ينفر من النقاش والحوار > فيه صفة {الضالين}
الذين يصرون على الجهل، والعمى عن حقائق الأمور
وفي نفس الوقت يريدون أن "يعبدوا الله تعالى!" ولكن حسب مفهوم الدين الذي "يظنونه" صوابا!
وأما من يناقش ويفهم، ومع ذلك يصر على تقليب الحقائق ومحاربتها < فهذا فيه صفة {المغضوب عليهم}
الذين عرفوا الحق.. ولم يعملوا به
والمجتمع الذي يغلب عليه عدم الحوار العقلاني المبني على الحقائق والبراهين (الشيخ مع طلبته، والأب والأم مع أبنائهما، والزوج مع زوجته، والأخ مع أخيه، والصاحب مع صاحبه... الخ)
فإنه يغرق في صفات الجاهلية! ولو انتشرت فيه حلق العلم، وحفظ القرآن والمتون، وكثرت الدروس والمتكلمين فيها!
💡هذا المقال مجرد تنبيه.. إضاءة.. كل نقطة فيه يمكن أن يكتب تحتها عشرات الأسطر من الآيات والأحاديث والشرح
ولكن لعل الاختصار هنا أنفع بإذن الله
ومن تابع بقية مقالات المدونة
وقنواتنا على التلجرام وتويتر
سيجد من الكتب والشرح والنصوص الشيء الكثير
والذي يعينه بإذن الله على فهم حقيقة الإسلام
حقيقة الهداية
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق